في الحديث الشريف الذي يتناول فضل ليلة النصف من شعبان؛ والذي وَرَدَ في. يقول النبي ﷺ «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن». وهنا يأتي السؤال: ما الجامع ما بين المشرك والمشاحن؟
من هو المشرك والمشاحن؟
يقول الشيخ صالح المغامسي -حفظه الله-: أن أجمل ما قيل في المعنى؛ أن المشرك جاء بالشرك الذي هو اجتثاث لأصل كل عمل. بمعنى: أن الله لا يقبل منه شيء مهما بلغت استقامته مع الناس. فلو كان ذلك المشرك محسنا، منفقا، له صلة بأعمال البر، يعطي، لا يأتي منه أذى لجيرانه، يسارع في أي نفع اجتماعي في بلاده وفي دولته. فكل ذلك لا يقبله الله منه؛ لأنه مشرك.
وأما المشاحن؛ فإن السبب الأعظم في الشحناء هو الحسد، والحقد، والضغينة التي في القلب. وهذه سماها النبي ﷺ حالقة الدين. قال في الحديث الصحيح «دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين». فالحسد -يحلق- يُذهِب الأعمال الصالحة.
هذا الحسد الذي يُذهِب الأعمال الصالحة قارب الشرك، إلا أن الشرك يجتث الأعمال الصالحة بالكلية، فلا يبقي منها شيئا. حتى أصل الإيمان لا يكون موجودا مع الشرك. لكن الحسد؛ قد يبقى أصل الإيمان. ومن أجل هذا جاء في المرتبة الثانية «إلا لمشرك أو مشاحن».
وهي ظاهرةٌ بيّنة، دعوة نبوية كريمة من نبينا ﷺ أن نطَّرِح الغِل والحسد والبغضاء والشحناء من قلوبنا.
النبي ﷺ يقول «المسلم أخو المسلم». والآيات في هذا أكبر وأكثر من أن يُذكَّر بها مؤمن. لكن النفوس يغلب عليه حب الدنيا. ويغلب على بعض الناس حسد الأقران. ويغلب على بعضهم حب أن يجمع إلى نفسه كل شيء. وبعضهم -عياذ بالله- لا يرضى بقسمة الله.
والله ﷻ نقم على أهل الإشراك بقوله ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ﴾. وقال ﷻ ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾.
فالحسد داء الأمم قبلنا. وهو كثير في اليوم؛ أعاذنا الله وإياكم منه.
فأمثال هؤلاء ليسوا في ظاهِر الحديث عُرضة لأن يغفر الله ﷻ لهم في تلك الليلة.
فالإنسان يرضى بما قسم الله له، وينظر نظرة إجلال وشفقة ورحمة لمن حوله من المسلمين والمسلمات. فلا يحسدهم على ما آتاهم الله ﷻ من فضله.
وليعلم أن الذي أتاهم حي لا يموت. وقادِر على أن يعطيك وعلى أن يؤتيك. فتوسَّل إليه واسأله من خيري الدنيا والآخرة. ولا تجعل نفس ممن يحاول -عياذا بالله- أن يمسك رحمة الله، ولا ممسك لها.
وقد قيل في هذا أبيات من الشعر كثيرة؛ ربما نضرب عنها الذكر صفحا حتى لا نزيد جراح الناس. وإنما المراد أن نعطي الناس من المواعظ ما يجعلنا جميعا ننأى بأنفسنا عن هذا الطريق الدوخيم.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لما ذكر أهل الصلاح وأهل الخير «كل مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».
فالمسلم ينبغي أن يعوّد نفسه على أن يكون قلبه نقيا تقيا ورعا، محبا لمن حوله من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. يحب لهم الخير كما يحبه لنفسه ويرجو لهم الخير كما يرجوه لنفسه.
هذه منازل عالية؛ نعم، نعلم يقينا أنه ليس كل أحد يؤتاها؛ لكن الإنسان يسعى إلى معالي الأمور، يسعى إلى درجات العلا. يجاهد نفسه في أن يسابق في الخيرات وينافس في الطاعات. والوصول إلى تلك المكرمات ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
قد ينزغ الشيطان في قلبه حسدا وبغضا لذي علم، لذي مال، لذي جاه، لذي فضل. فليوطن نفسه على أن يصبر. وليعلم أن حسده لن يمنع فضل الله على أحد. ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾.
فالله ﷻ بيده مقاليد الأمر، بيده ملكوت السماوات والأرض، بيده الفضل كله؛ يؤتيه من يشاء.
فالإنسان يرضى بما قسم الله. ويسأل الله ﷻ من فضله. وينأى بنفسه عن الحسد، علَّه أن ينال مغفرة ربه ﷻ.
أُذَكِّر بالحديث «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن». اللهم إنا نسألك غفران الذنوب وستر العيوب يا علام الغيوب.