في كُلّ عملية بحث من المسلمين عن فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة وفي ليلتها، بل وعن كل فضائل الصلاة على رسول الله ﷺ يدُل دلالة كبيرة وواضِحة على مدى اهتمام وتحرّي المسلم عمَّا يجلب له رضوان ربه وخيري الدنيا والآخِرة.
إن الله ﷻ أمر المؤمنين بأمر بدأ فيه بنفسه العليَّة، وثنّى فيه بملائِكته الكِرام. فقال -عز من قائل- ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. ولله در القائِل:
إذا أنت لازمت الصلاة على الذي — صلى عليه الله في الآيات
وجعلتها وردا عليك مؤكدا — لاحت عليك دلائل الخيرات
أهمية الصلاة على النبي
فالصلاة والسلام على رسول الله -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- لها أهمية ومنزلة كبيرة في الدين. وذات يوم قدِم رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، إني أُكْثِر الصلاة عليك. فكم أجعل لك من صلاتي؟ -يعني من دعائي؟- فقال عليه الصلاة والسلام «ما شئت». قال الرجل: الربع؟ -يعني اجعل لك ربع صلاتي؟ أي: دعائي- قال عليه الصلاة والسلام «ما شئت. وإن زدت فهو خير». قال الرجل: النصف؟ قال عليه الصلاة والسلام «ما شئت وإن زدت فهو خير». قال الرجل: الثلثين؟ قال عليه الصلاة والسلام «ما شئت وإن زدت فهو خير». فقال الرجل: أجعل لك صلاتي كلها؟ -يعني أجعل لك دعائي كله- فقال عليه الصلاة والسلام «إذا تكفي همك ويغفر ذنبك».
إذا أنت لازمت على هذا الوضع وأكثرت من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله يُكْفَي همك. والله ﷻ إذا تولى هَمّ إنسان يسَّره. والإنسان إذا لجأ إلى الله في عُسر يسَّره. فتصبح أمور الإنسان كلها مُيسرة بأمر الله ﷻ. بفضل الصلاة والسلام على رسول الله.
فضلا عن ذلك: يغفر الذنب. ونحن جميعا في حاجةٍ إلى أن يعفو الله عنا، وأن يغفر الله لنا، وأن يتقبل حسناتنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا.
اللهم صل على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
استجابة الدعاء ببركة الصلاة على النبي
أيها الإخوة المؤمنون؛ وإذا أردنا أن ندعو الله ﷻ دعاءً مقبولا، فلنبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم نصلي على رسول الله -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام-.
هكذا علَّمنا المصطفى الكريم. فنحن إذا بدأنا دعاءنا -بحمد الله- والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-، ثم تضرَّعنا إلى الله -عز وجل- بما نحتاج إليه، وختمنا ذلك بالصلاة على رسول الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-. كان ذلك أرجى للقبول. لأن الصلاة على رسول الله مقبولة، فإذا وقع الدعاء بين مقبولين كان مقبولا بأمر الله ﷻ.
فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة
أتدرون هذا اليوم العظيم؛ نعم أنه يوم الجمعة، فإن نبيكم قد حثَّكم على الصلاة عليه فيه، فاجتمع فيه فضل اليوم نفسه وفضل الصلاة على النبي فيه.
- ففي حديث يرويه الصحابي أوس بن أبي أوس؛ يقول أن نبينا المصطفى ﷺ قال «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي» قال الصحابة: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -أي: بليت- فقال «إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء».
- ليس هذا فحسب، ففي حديث أخرجه البيهقي، ورواه الصحابي أنس بن مالك؛ يقول فيه رسول الله ﷺ «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا». وهذا الحديث يدل على فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها أيضًا.
- وفي الحديث أيضًا الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- ، والذي ورد في كتاب القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، للسخاوي. يقول فيه الرحمة المهداة ﷺ «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإن صلاتكم تعرض علي يوم الجمعة، فإنه أتاني جبريل عليه السلام آنفا عن ربي عز وجل قال ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشرا».
- وكذلك في الحديث الذي يرويه أبو الدرداء، أن بينا محمد ﷺ قال «أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة؛ فإنه مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحدا لن يصلي علي ؛ إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها».
ولذلك؛ فإن من العلماء أيضًا، ومنهم الشيخ الدكتور عثمان الخميس، والشيخ محمد الشنقيطي، والشيخ خالد الفليج والشيخ الحبيب علي الجفري؛ أن الصلاة على النبي يوم الجمعة أولى وأكثر حثًا من قراءة القرآن. هذا بالطَّبع مع عظيم أجر وثواب قراءة القرآن في كافة الأوقات.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد صلاة تشرح بها صدورنا، وتيسر بها أمرنا، وتجبر بها كسرنا، وتحل بها عقدة ألسنتنا، وعلى آله وصحبه ونحن معهم أجمعين… آمين
وهذه -أيضًا- بعض الأحاديث التي تُبيّن فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة؛ ولكِن اختلف العلماء على صحتها:
- «من صلى عليّ في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة».
- «من صلى عليّ في كل يوم جمعة أربعين مرة محا الله عنه ذنوب أربعين سنة».
الصلاة على النبي بعد الأذان
هناك مواقف وآداب من الخير نصلي فيها على سيدنا رسول الله –عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام-. فعندما نسمع الآذان نردد كلمات الأذان خلف المؤذن، ثم نصلي على رسول الله -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها-، ثم نسأل الله له الوسيلة. والوسيلة هي درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، هو سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
فمن فعل ذلك فقد استحق شفاعة المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام-.
هكذا أخبرنا المصطفى الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- «إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة». فهذا موقفٌ كريم نحاوِل أن نكتَسبه وأن نغتنِمه لنكون في محَل القَبول من الله -عز وجل- ولنحظى بشفاعة النبي المختار سيدنا محمد -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها-.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة ترقق بها قلوبنا القاسية، وتهدي بها نفوسنا العاصية.
الصلاة على النبي عند دخول المسجد والخروج منه
كذلك؛ إذا دخلنا المسجد أو إذا خرجنا، فنحن أيضا نبدأ بسم الله، ونصلي على سيدنا رسول الله -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها-. ثم نسأل الله لنا مفاتح الخير. فإذا خرجنا قلنا اللهم إنا نسألك -من فضلك-. وإذا دخلنا المسجد قلنا: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك. بعد أن نسمي الله وبعد أن نصلي على سيدنا رسول الله -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-.
ففي الحديث الشريف الذي ترويه السيدة فاطمة بنت الرسول محمد –عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام-؛ فتقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا دخل المسجد قال «بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك». وإذا خرج قال «بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك».
ولله در القائل
حب النبي الهاشمي شجاني — وأثاب قلبي والمنام جفاني
يا ذاهبين إلى مدينة طيبة — بصبابةٍ وتشوق وحنان
فإذا وصلتم نحو ذياك الحمى — ونزلتموا في روضة العدنان
قولوا فتى بالباب يرجوا نظرة — من جودك المعروف والإحسان
والله ما في الخلق مثل محمد — في الفضل والأخلاق والإيمان
أفضل الصيغ للصلاة على النبي
أيها الإخوة المؤمنون؛ وأفضل الصيغ للصلاة على سيدنا رسول الله ﷺ هي الصيغة الابراهيمية، التي نقولها في التشهد. وهي التي ورد ذِكرها في حديث رسول الله -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- في صحيح البخاري، والذي رواه كعب بن عجرة؛ يقول فيه النبي ﷺ عندما سُئِل: كيف نصلي عليك؟ وفي رواية: كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فقال ﷺ قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد».
هذه الصيغة الابراهيمية هي أفضل الصيغ للصلاة على النبي.
وقد نتساءل؛ لماذا خُصَّ سيدنا إبراهيم بأن نصلي عليه مع سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
والجواب على ذلك: لأن سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، فهو أبو إسماعيل وأبو إسحاق. إسحاق جاء من نسله كل أنبياء بني إسرائيل. وإسماعيل جاء من نسله سيدنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام-.
ثم إن سيدنا محمدًا -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام- هو دعوة أبيه إبراهيم. فنقرأ في سورة البقرة ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾. فهنا نلاحظ أن دعوة إبراهيم استُجيبت في سيدنا محمد -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها-.
ثم إن سيدنا رسول الله –صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها– كان أقرَب النَّاس شبهًا بإبراهيم. ومن هنا كان سيدنا محمد أولى الناس بإبراهيم. وهذا ما نقرأه في الآية الكريمة ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة تفتح لنا بها أبواب الرضا والتيسير إنك أنت الرب المولى القدير.