سنتحدث في هذا الموضوع عن الطاقة والعملية التي تستخدمها الخلايا الحيوانية للحصول على الطاقة.
التنفس الخلوي
هي العملية التي تستمد بها الخلايا الطاقة من الطعام الذي نأكله؛ وبالتحديد من الجلوكوز، لأن معظم الغذاء الذي يتناوله الإنسان يتحول إلى جلوكوز.
والصيغة الكيميائية لجزيء واحد من الجلوكوز Glucose هي C6H12O6 ولتحويل هذا الجلوكوز إلى طاقة يجب أضافه الأكسجين؛ وبالتحديد ستة جزيئات أوكسجين.
ومن خلال عملية التنفس الخلوي سيتحول الجلوكوز والأكسجين إلي 6 جزيئات ثاني أكسيد الكربون وسط جزيئات من الماء، وبعض الطاقة التي يمكن استخدامها للقيام بالتمارين الرياضية مثلاً.
وهكذا يحصل الجسم على طاقة، ولكن لا يمكن للجسم استخدام هذه الطاقة مباشرة. يجب في البداية أن يحول الجسم هذه الطاقة إلى شكل محدد من الطاقة المخزنة والذي يُسمى ATP أو أدينوسين ثلاثي الفوسفات Adenosine triphosphate.
سبق وذكرنا هذه الكلمة في مواضيع أخرى، ويُشار عادة إلى ATP كعملة للطاقة البيولوجية.
يُمكننا تشبيه الـ ATP بالدولار الأمريكي، فتخيلوا أنكم زرتم الولايات المتحدة وأردتم شراء شيء ما، فلن تتمكنوا من استخدام عملة أخرى مثل اليوان الصيني أو الروبية الهندية على الرغم من أن هذه العملات جميعها تعتبرنقوداً، وينطبق هذا المبدأ على الطاقة.
فحتى يتمكن الجسم من استخدامها تحتاج الخلايا إلى تحويل الطاقة إلى أدينوسين ثلاثي الفوسفات لكي تتمكن من النمو والحركة وإرسال الإشارات الكهربائية عبر الأعصاب والدماغ وغيرها من العمليات الأخرى.
تحدثنا في مواضيع أخرى عن استخدام الخلايا للجزيء ATP لنقل بعض المواد داخل وخارج أغشيتها.
طريقة استخدام الخلايا لأدينوسين ثلاثي الفوسفات
يتألف أدينوسين ثلاثي الفوسفات من قاعدة نيتروجينية تُدعى الأدنين بالإضافة إلى سكر خماسي يُسمى ريبوز وثلاث مجموعات فوسفات.
وما عليك معرفته عن مجموعة الفوسفات الثلاثة هذه هو أنها لا تفضل أن تبقى متصلة بجانب بعضهم البعض مثل ثلاثة أطفال في حافلة يكرهون بعضهم البعض، ويتشاركون بنفس المقعد.
ولأن مجموعات الفوسفات لا تحب التشارك مع بعضها يمكن للجزيء ATP أن يطلق واحدة من مجموعات الفوسفات الموجودة في النهاية مكوِناً أدينوسين ثنائي الفوسفات ADP فيبقى مجموعتان فوسفات.
عملية التحلل المائي
تتسبب عملية إطلاق مجموعة الفوسفات الثالثة هذه بتحرير الطاقة، وبما أن هناك الكثير من جزيئات الماء الموجود حول هذا الجزيء سيأتي الهيدروكسيد المكون من ذرة أكسجين وذرة هيدروجين OH والقادم من أحد جزيئات الماء سيحل محل مجموعة الفوسفات الثالثة.
وتسمى هذه العملية التي تفكك فيها الماء إلى مركب ما بعملية التحلل المائي التي تشير إلى تفكك جزيء الماء وارتباطه بمركب آخر، وهكذا نكون قد تعرفنا على كيفية استخدام الخلية للطاقة المخزونة في ATP
طريقة تصنيع ATP من خلال عملية التنفس الخلوي
كل هذه العملية تبدأ بالأكسجين والجلوكوز، وتؤكد معظم المناهج المدرسية أنه من خلال عملية التنفس الخلوي يمكن لجزيء واحد من الجلوكوز أن ينتج القليل من الحرارة و 38 جزيء من ATP.
ينتج هذا العدد من الجزيئات في الحالة المثالية، وفي الغالب نحصل على 29 أو 30 جزيء من ATP.
ومازال العلم أو يتحققون من دقة هذه الأعداد. إن عملية التنفس الخلوي لا تتم في مرحلة واحدة، ويتحول الجلوكوز إلى ATP عبر ثلاث مراحل منفصلة وهي:
- تحلل الغلوكوز.
- دورة كريبس.
- سلسلة نقل الإلكترون.
جرت العادة أن يتم وصف هذه المراحل بأنها تأتي واحدة تلو الأخرى، ولكن في الواقع فإن معظم العمليات التي تتم في الخلية تحدث في نفس الوقت.
تحلل الجلوكوز
سنبدأ بالخطوة الأولى وهي تحلل الجلوكوز أو تكسير الجلوكوز، فالجلوكوز كما تعرفون هو سكر، ويمكنكم أن استدلوا على ذلك من خلال مقطع ose في نهايته.
وتحلل الجلوكوز هو عبارة عن تفكيك حلقة الجلوكوز السداسية ذات الـ 6 كربونات إلى جزيئين تألفانِ من ثلاثة كربونات، وعليهما حمض البيروفيك أو جزيئات البيروفات.
ولتبسيط العملية سنوضحها على النحو التالي؛ هناك مقولة معروفة تقول “إذا أردتم جني المال عليكم إنفاق بعض المال”.
إن عملية تحلل الجلوكوز كذلك تعمل على نفس هذا المبدأ؛ فهي تحتاج إلى استثمار جزيئين ATP حتى تصنع 4 جزيئات ATP فيكون الربح الصافي هو جزيئين ATP.
بالإضافة إلى هذه الجزيئات ATP الأربعة ينتج عن تحلل الجلوكوز جزيئان بيروفات، الجزيئان NADH غنيان بالطاقة؛ وهو مركب ناتج عن اقتران أحد أنواع الفيتامين ب مع إلكترونات نشطة وهيدروجين لإنشاء مخازن الطاقة التي سيتم استخدامها لاحقاً لصنع ATP.
وتجدر الإشارة؛ إلى أن الأكسجين ضروري لعملية التنفس الخلوي ككل، ولكنه ليس ضرورياً لكل مرحلة من مراحلها.
فعلى سبيل المثال؛ يمكن لعملية تحلل الجلوكوز أن تحدث دون وجود الأكسجين مما يجعلها عملية لا هوائية.
عملية التخمر
في غياب الأكسجين يتم استخدام جزيئات البيروفات التي تشكلت من عملية تحلل الجلوكوز في عملية تُسمى التخمر، فإذا لم يتوفر الأكسجين في الخلية فإنها ستحتاج إلى المزيد من NAD+ لاستمرار عملية تحلل الجلوكوز.
إذاً عملية التخمر تُحرر بعض الـ NAD+ الذي يساعد في صنع بعض المنتجات الثانوية المهمة.
على سبيل المثال؛ في بعض الكائنات الحية مثل الخميرة يكون الناتج عن عملية التخمر هو الكحول الإيثيلي. أما في الإنسان فيكون ناتج عملية التخمر هو حمض اللاكتيك وهو ما يجعلكم تشعرون بالألم بعد ممارستكم للتمارين الرياضية الشاقة.
بعد أن استخدمت العضلات كل الأكسجين المتوفر لديها ستلجأ إلى التنفس الهوائي للحصول على الطاقة التي تحتاجها، وينتج عن ذلك تراكم حمض اللاكتيك في أنسجة العضلات.
وبالعودة إلى النواتج التي سجلناها سابقاً نتج لدينا جزيئين من ATP من خلال عملية تحلل الجلوكوز.
ولكن الخلايا ما زالت تحتاج إلى الأكسجين لصنع أكثر من 30 جزيء آخر من ATP وذلك لأن المرحلتين التاليتين للتنفس الخلوي وهما دورة كريبس وسلسلة نقل الإلكترون كلاهما من العمليات الهوائية؛ مما يعني أنها تتطلب الأكسجين.
دورة كريبس
وبهذا سننتقل إلى الخطوة التالية في التنفس الخلوي؛ فبعد تحلل الجلوكوز تأتي دورة كريبس، وفي حين تتم عملية تحلل الجلوكوز في السيتوبلازم وهو السائل الذي يغمر جميع العضيات في الخلية، تتم دورة كريبس في الغشاء الداخلي للميتوكوندريا؛ وهي العُضي الذي يولد طاقة للخلية.
تأخذ دورة كريبس Krebs Cycle نواتج عملية تحلل الجلوكوز؛ أي جزيئات البيرفانات الغنية بالكربون، وتقوم بإعادة استخدامها لإنشاء جزيئين من الـ ATP لكل جزيء جلوكوز، بالإضافة إلى الطاقة والبعض من الأشكال الأخرى.
آلية عمل دورة كريبس
أولاً: يتم أكسدة أحد جزيئات البيروفات، ونقصد بذلك أنها ترتبط مع الأكسجين؛ حيث ترتبط أحد الكربونات التي تخرج من سلاسل الكربون الثلاثية مع جزيء الأكسجين، وتخرج من الخلية على هيئة ثاني أكسيد الكربون وما يتبقى من هذه العملية هو مركب ثنائي الكربون يُسمى “أسيتيل مرافق الإنزيم A”. وبعد ذلك يلتقط NAD+ ذرتا هيدروجين، ويصبح NADH.
إذاً يُنتج جزيئان البيروفات جزيئين آخرين من NADH ليتم استخدامهما لاحقاً. وكما هو الحال في عملية تحلل الجلوكوز فإن للأنزيمات دوراً هاماً في هذه الدورة.
الإنزيمات
الإنزيمات هي البروتينات التي تجمع المواد التي تحتاج إلى أن تتفاعل مع بعضها البعض، وتجمعها معاً بالطريقة الأمثل لحدوث تفاعل.
فعلى سبيل المثال؛ تجمع هذه الأنزيمات الفوسفات مع أدينوسين ثُنائي الفوسفات لإنشاء جزيء أدينوسين ثلاثي الفوسفات لكل جزيء بيروفات.
حمض الستريك
تساعد الإنزيمات في جمع أستيل مرافق الإنزيم A مع جزيء مكون من أربع ذرات كربون يُسمى حمض الأوكسالوأستيك ويُشكلا معاً جزيء مكون من 6 ذرات كربون يُسمى حمض الستريك، وقد يكون مألوف بالنسبة لكم فهو الحمض الموجود في عصير البرتقال.
هل تعلمون أن دورة كريبس تُعرف بـ دورة حمض الستريك، لأنه من النواتج الثانوية لهذه الدورة. ولكن يُشار إليها عادة باسم العالم الذي اكتشفها.
هانز كريبس
هو جراح أنف وأذن وحنجرة هرب من ألمانيا النازية لتدريس الكيمياء الحيوية في كمبريدج؛ حيث اكتشف هذه الدورة المعقدة في عام 1937 ولهذا الاكتشاف العبقري لقد حاز على جائزة نوبل للطب في عام 1953.
وعلى أية حال؛ يتم بعد ذلك أكسدة حمض السيتريك من خلال مجموعة من الخطوات المعقدة حيث يتم تفكيك الكثير من ذرات الكربون للعودة في النهاية إلى حمض الأوكسالوأستيك.
ولهذا السبب تسمى هذه العملية بالدورة، وعندما ينفصل الكربون عن حمض الستريك ينتج كذلك ثاني أكسيد الكربون الذي يخرج من الخلية، ثم من الجسم بالكامل عن طريق الزفير.
يحتاج جميع البشر إلى إخراج نواتج دورة كريبس من خلال عملية الزفير.
تتطلب هذه التمارين إلى استخدام الكثير من جزيئات الـ ATP وفي كل مرة ينفصل فيها الكربون على حمض الستريك سينتج بعد الطاقة، ولكنها ليست على هيئة ATP. يتم تخزين هذه الطاقة في نوع مختلف تماماً من الجزيئات.
ونعود إلى NAD+ والـ FAD، وهي أنزيمات تابعة لفيتامينات ب، وهي مشتقة من النيسين أي فيتامين 3B والريبوفلافين، أي فيتامين 2B
يمكن لفيتامينات B التمسك بالإلكترونات عالية الطاقة والحفاظ على هذه الطاقة حتى يتم تحريرها في وقت لاحق من خلال سلسلة نقل الإلكترون.
ولفعاليتها في الاحتفاظ في الطاقة فهي تدخل عادة في تصنيع المساحيق الرياضية التي تحفيز النشاط.
ينتج عن كل جزيء بيروفات ثلاثة جزيئات NADH و 2FADH في كل دورة؛ وبما أن كل جزئ جلوكوز قد تم تقسيمه إلى جزيئين من البيروفات، وهذا يعني أن كل جزئ جلوكوز يمكنه أن يُنتج 6 جزيئات NADH وجزيئين 2FADH.
سلسلة نقل الإلكترون
إن الهدف الرئيسي من دورة كريبس هو توليد الطاقة للخطوة التالية والأخيرة وهي “سلسلة نقل الإلكترون” والهدف الرئيسي من عملية التنفس الخلوي هي إنتاج العديد من جزيئات الأدينوسين ثلاثي الفوسفات.
حيث يتم تصنيع العدد الأكبر من جزيئات الـ ATP من خلال هذه الخطوة الأخيرة التي تسمى سلسلة نقل الإلكترون، حيث يمكن أن ينتج عن هذه الخطوة في أحد الخلايا الفعالة حوالي 34 جزيء ATP .
إن إلكترونات جزيئات NADH و 2FADH هي التي ستوفر الطاقة التي ستعمل كمضخة على طول سلسلة من القنوات البروتينية في الغشاء الداخلي للميتوكوندريا التي حدثت فيها دورة كريبس.
ستقوم هذه البروتينات باستبدال هذه الإلكترونات وسالب بروتونات الهيدروجين من داخل مركز الميتوكوندريا عبر غشائها الداخلي إلى الحجرة الخارجية للميتوكوندريا.
ولكن بمجرد خروجها ستعود هذه البروتونات مرة ثانية إلى الجانب الآخر من الغشاء الداخلي بسبب وجود الكثير من البروتينات الأخرى في تلك المنطقة.
وكما ذكرنا سابقاً؛ فإن طبيعة تميل دائماً إلى البحث عن حالة من الاتزان على جانبي الغشاء؛ لذلك فإن كل هذه البروتينات المتراكمة ستتمكن من العودة مرة أخرى إلى الداخل من خلال بروتين خاص يُسمى ” جزيء انتاج ATP والطاقة الناتجة من تدفق هذه البروتينات تُفعل هذه الآلية الدورانية التي تضغط بعض جزيئات ADB وبعض الفوسفات معاً لتشكل ATP.
وبذلك نكون قد بينا لكم كيف تصنع الخلايا الحيوانية في جميع أنحاء العالم لجزيئات ATP من خلال التنفس الخلوي.