المياه هي واحدة من الموارد الأكثر أهمية على كوكبنا، ومع ذلك غالبًا ما يتم التعامل معها على أنها أمر مسلم به، فمع زيادة النمو السكاني، والزراعة، والصناعة، فإن الطلب على المياه يتزايد، مما يجعل من الضروري – أكثر من أي وقت مضى – الحفاظ على هذا المورد الثمين.
ويساعد توفير المياه في ضمان وجود ما يكفي لتلبية احتياجات الأجيال القادمة، فمصادر المياه العذبة محدودة، والإفراط في الاستخدام يمكن أن يؤدي إلى استنزاف وتدهور هذه المصادر، ومن خلال الحفاظ على المياه يمكننا المساعدة في المحافظة على توازن أنظمتنا البيئية، وضمان بقاء الأنهار والبحيرات والخزانات الجوفية مصادرًا لنا وللأجيال القادمة.
ويمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام المياه إلى تجفيف الأراضي الرطبة، وتدمير الموائل، وفقدان التنوع البيولوجي، ومن ناحية أخرى تتسبب الطاقة المطلوبة لضخ المياه وتسخينها ومعالجتها في انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، لكن من خلال استخدام المياه بكفاءة أكبر، يمكننا تقليل بصمتنا الكربونية، والتخفيف من آثار تغير المناخ.
وعلى الجانب الآخر، يمكن أن يؤدي توفير المياه إلى توفير مالي كبير، لأن خفض استهلاك المياه يقلل من فواتير الخدمات العامة للأسر والشركات، كما يقلل من التكاليف المرتبطة بمعالجة المياه والبنية الأساسية للتوزيع، وفي البيئات الزراعية يمكن أن يؤدي الاستخدام الفعّال للمياه إلى تعزيز إنتاج المحاصيل وخفض تكاليف الري.
كما أنه من خلال بذل جهود واعية للحفاظ على المياه، يمكننا حماية كوكبنا، ودعم مجتمعاتنا، وضمان مستقبل مستدام للجميع.
وقد أقر الإسلام أحكامًا شرعية لحماية مصادر المياه، وجعل لها حرمًا – وهو الحيز المجاور لمصدر الماء، فلا يجوز تلويثه أو السطو عليه كمنفعة خاصة للبعض وقد جاء تحديد حرم العين والبئر في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته» رواه ابن ماجه.
وقرر الإسلام أن الأصل في المياه هو الطهارة، فقال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (الفرقان). ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تلويث الماء، فقال «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» رواه البخاري، وتطبيق تلك التوجيهات النبوية يشمل حماية مياه الأنهار والخزانات من كل أشكال التلوث.
وتحدث ابن سينا بالتفصيل في كتابه القانون عن تلوث المياه، وكيفية معالجة هذا التلوث، كما وضع شروطا تتعلق بطبيعة الماء والهواء المؤثرين في المكان عند اختيار موقع للسكنى، وصنف محمد بن أحمد التميمي في القرن الرابع الهجري كتابا كاملا عن التلوث البيئي، وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه، وفصل الحديث عن ثلاثية الهواء والماء والتربة، وتبادل التلوث بين عناصرها.
وعلى هذا فجهود علماء المسلمين اليوم في دعوة الناس للحفاظ على الماء، تعد امتدادًا لجهود أسلافهم عبر التاريخ.
وحتى يصير الوعي بقضايا الماء وعيا شاملاً وشائعاً بتحفيز ديني لابد لذلك من خطوات منها:
- تصنيف مؤلفات في هذا المجال برؤية دينية وعلمية مكتوبة بأسلوب شيق وماتع وجاذب ومناسب لكل الفئات العمرية، ومترجم لعدة لغات، ونشر هذه المؤلفات على مستوى العالم العربي والإسلامي.
- تزويد المناهج التعليمية كلها بمادة عن الماء من جوانب علمية واجتماعية ودينية.
- تناول موضوع الإسلام والحفاظ على موارد الماء في خطب الجمعة والدروس والندوات وتدريب الأئمة والوعاظ على معالجته.
- تناول البرامج الدينية الإعلامية لذات الموضوع ضمن خريطة الموضوعات الدينية المطروحة إعلاميا.
هل تعلم أيها القارئ الكريم أن الدراسات قد أفادت أن الصنبور الذي ينساب منه الماء نقطة نقطة، يجمع خلال عام كامل ثلاثة أمتار مكعبة من المياه، وهل تعلم أيضًا أن شجرة رشيدة الاستخدام للمياه مثل شجرة الزيتون تعيش على متر واحد مكعب من الماء خلال السنة، وتعطي بعدها إنتاجًا وفيرا من الزيتون قد يصل إلى حوالي 1000 كيلو جرام، ولعل هذا يعني أن النقطة من الماء التي تتسرب من الصنبور، يمكن أن ينتج عنها 3000 كيلو جرام من الزيتون، لا يقل ثمنها في الوقت الحاضر عن الآلاف الكاملة من الجنيهات.
فإذا خرجنا من مساكننا نرى من يغسل سيارته بالماء ونرى من يرش أمام المنزل أو المقهى بالماء، بل ونرى في المكاتب الحكومية والمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات وغيرها من المرافق العامة من يترك الصنبور مفتوحا ليلا ونهارًا والماء يتسرب منه.
وإذا نظرنا إلى الزراعة لوجدنا أنها تأخذ النصيب الأكبر في استخدام المياه، وذلك يرجع للعادات الخاطئة التي يسلكها بعض المزارعين، منها:
- زراعة المحاصيل شرهة الاستخدام للمياه مثل الأرز وقصب السكر والموز.
- كما أن ري الأرض نهارًا يستهلك كميات أكثر من المياه مقارنة بالري ليلا.
- قد يترك البعض مزرعته دون تسويتها التسوية الجيدة مما يؤدي إلى انسياب الماء. بسرعة من رأس المزرعة إلى نهايتها، ومنها إلى المصرف دون الاستفادة الكاملة بها.
- كما أن البعض يلجأ إلى طرق الري السطحي ولا يفكر في إيجاد طرق بديلة تقلل استخدام المياه مثل الري بالرش والري بالتنقيط.
إننا جميعًا أمام تحد هائل، لأن أعدادنا في تزايد مستمر، والتحدي الآخر هو تغير المناخ واحتمال انخفاض معدلات الهطول المطري، واحتمال ارتفاع درجة الحرارة، والكثير والكثير من التحديات، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب وأن نجد الحلول البديلة.