بين يديكم الآن -إخواني الخطباء- خطبة قصيرة وسهله تتحدَّث عن هدي رسول الله في يوم عرفة ويوم عيد الأضحى المبارك. فاغتنموا ما تستطيعون منها، من عظيم الوعظ والنُّصح والإرشاد.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي هدانا للهدى، ووفقنا للتقوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، من لا ينطق عن الهوى، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه الذين تذكروا فنفعتهم الذكرى.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- فمن اتقاه نال ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ إن هذا اليوم الذي أنتم فيه يوم عظيم، له عند الله شأن أي شأن! فلا ينبغي للمؤمن أن يفوت لحظة من لحظاته في غير بر ومعروف من الأقوال والأفعال؛ فإن الأجور فيها مضاعفة، والدرجات مرفوعة، وإن من أعظم الأعمال في هذا اليوم الدعاء؛ فإن خير الدعاء دعاء عرفة.
يوم عرفة
توجه إلى الله – يا عبد الله – وتوجهي إلى الله – يا أمة الله – وسلوا الله ما شئتم من خير الدنيا والآخرة؛ فإن ربكم تبارك وتعالى يحب أن يسأل، واعلموا أن المسؤول هو الله ﷻ، من له خزائن السماوات والأرض، ومن له ما في السماوات وما في الأرض، فاسألوا عظيما من الخيرات؛ فإن العظيم يهب العظيم، وقد علمنا نبينا محمد ﷺ أن نسأل ربنا أعلى الدرجات فقال: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة».
وللنبي ﷺ – عباد الله – ذكر كان يقوله في هذا اليوم العظيم، وكان يقوله النبيون من قبله، ألا فأفلح من تأسى بنبيه، واهتدى بهدى النبيين من قبله، يقول النبي ﷺ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، والدعاء باب واحد من أبواب الطاعة، وما أكثر أبواب الطاعة! وإن من أجل الطاعات – ونحن مستقبلون ليوم عيد الأضحى – صلة الأرحام، وإعانة المحتاج، والتيسير على المعسر، والتفريج عن المكروب، والإحسان إلى اليتامى والمساكين والفقراء؛ حتى يكون يوم العيد يوم سعادة عاما، يفرح فيه كل الناس؛ فلا يبقى محتاج، ولا يكون محزون أو بائس.
ولا يفوتكم هنا: خطبة عن فضل يوم عرفة، الدعاء فيه، وما ينبغي علينا فعله خلاله
هدي النبي يوم عيد الأضحى
يا أيها الذين آمنوا؛ إن خير الهدي هدي محمد ﷺ، ومن محبة المؤمنين والمؤمنات للنبي ﷺ أن يترسموا خطاه ويعملوا بهداه، وقد كان النبي ﷺ على أحسن ما يكون من هيئته يوم العيد؛ فقد كان يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن الطيب، ومن سنته في الأضحى أن يأكل بعد صلاة العيد لا قبلها، ويخرج ﷺ إلى المصلى ماشيا، ويعود إلى بيته من غير الطريق التي جاء منها؛ لتكثر الخطوات فتعظم الأجور والحسنات، ويلقى كثيرا من الناس في طريق ذهابه وطريق رجوعه؛ فإنه يوم لقاء وبشر وسعادة وإدخال سرور على القلوب، والسنة أن تصلى صلاة العيد في المصليات خارج العمران حيث توجد مصليات.
وكان النبي ﷺ يصلي بالناس ثم يقوم خطيبا فيهم بعد الصلاة؛ فيحمد الله ويثني عليه، ويعظ الناس ويذكرهم ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وكان الناس يشهدون مع النبي ﷺ الصلاة والخطبة، فلا ينصرفون حتى ينصرف نبيهم، وإنه لمن الخطأ أن ينصرف الإنسان قبل أن يخطب الإمام أو قبل إنهاء خطبته، بل عليه أن يستمع إليها، وكان من هدي النبي ﷺ أن يضحي، وقد ضحى النبي ﷺ بكبشين ذبحهما بنفسه، وإن من الحكم في هذا اليوم أن يستحضر الإنسان تلك الخطوات التي خطاها النبي ﷺ في ذلك اليوم، وأنه يفعل ما فعل نبيه، ويذكر أهله وأولاده بذلك، مستحضرا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.
شاهِد أيضًا أخي الإمام: خطبة العيد الكبير «عيد الأضحى – يوم النحر – عيد الحجاج»
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه المقتفين آثاره والمهتدين بهداه.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن من أجل القرب إلى الله في هذا اليوم العظيم إصلاح ذات البين؛ ومن عظيم هذه العبادة أن الله ذكرها قبل ذكر إقام الصلاة والإنفاق مما رزق الله؛ تنبيها على جلالة هذه العبادة، وتذكيرا بمنزلتها ومكانتها عند الله، يقول الله ﷻ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ | إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ | الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ | أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
والعجب – عباد الله – ممن تزين له نفسه أن ينتظر من خاصمه حتى يأتيه ويعتذر إليه! وأين من يكون على هذه الحال من الخيرية التي بشر بها النبي ﷺ من يبدأ من خاصمه بالسلام في قوله: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»! فبادر لتكون خير المتخاصمين، وبادري لتكوني خير المتخاصمتين، وإن هذا المقام الرفيع ليكون بين الزوجين المتخاصمين؛ فإن خير الزوجين من يبدأ الآخر بالسلام، وما أحسن التشبه بأهل الجنة في صفاء قلوبهم وسلامة ضمائرهم؛ فإن الله وصفهم بقوله: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وختامًا؛ مع هذه الخطبة البليغة: خطبة عيد الأضحى المبارك مكتوبة