إنه يوم الجائزة فِعلا. وهذا مِصداقًا لما بلَّغ به رسولنا الكريم ﷺ. أحبائي، هنا خطبة عيد الفطر المبارك التي نسوقها لكم في هذه الأيام المُبارَكة؛ والتي نسأل الله ﷻ الحليم العظيم أن يُنعِم علينا دومًا بعيش طيّب، ميسور الأيام والأحوال.
عناصر الخطبة
- عيد الفطر احتفاءٌ للأمة ببدء نزول القرآن الكريم وعيد الأضحى يمثل احتفال الأمة بختم نزول القرآن.
- عناية الأمة بالقرآن الكريم تلاوةً وفهماً وتدبراً يكون سبباً في رفعتها وتقدمها والسيرة النبوية شارحةً ومبينةً للقرآن الكريم.
- الفرح والابتهاج بإكمال عدة صيام شهر رمضان.
- صلة الأرحام معلقة بعرش الرحمن.
- العفو والتسامح خلقان كريمان يحتاجهما الناس لتنقية النفوس وتطهير القلوب.
- المداومة على العمل الصالح وصيام ستة من شوال دأب المؤمنين
مقدمة الخطبة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مطيباً مباركاً فيه يملأ السماوات ويملأ الأرض ويملأ ما بينهما ويملأ ما شاء من شيء ربنا بعد أهلُ الثناء والمجد أحقُ ما قال العبد وكلنا لله عبد الحمد لله على الصيام الحمد لله على القيام الحمد لله على نعمة الإيمان الحمد لله على نعمة الصحة في الأبدان الحمد لله على نعمة الأمن في الأوطان حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.
الله أكبر…. الله أكبر…. الله أكبر لا إله إلا الله…. الله أكبر…. الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الأولى
قال ﷻ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} أيها المسلمون المستبشرون برحمة من الله وفضل هذا يومٌ يفرح فيه من صام وصلى ودعا، ويندم فيه المقصرون وها نحن اليوم نعيش فرحتنا ونستلم جوائزنا فنحمده ﷻ ونكبره ونوحده ونعبده.
هذا اليوم تتوحد فيه الأمة فالإسلام يقوم على أركان عظيمة كلها تدعو وتسهم في وحدة الأمة ونجاحها واتحادها ونبذ الفرقة والنزاعات بينها وتعلمون إخوة الإيمان أننا نتسابق لدخول الجنة برحمة الله وفضله ولكن التفاوت في منازل الجنة يكون بالأعمال.
يمثل عيد الفطر يوم احتفاء الأمة ببدء نزول القرآن ويمثل عيد الأضحى احتفاء الأمة بختم نزول القرآن وبقدر عناية الأمة بالقرآن الكريم تلاوةً وتدبراً وفهماً وعملاً تكون رفعتها وتقدمها، ومن العناية بالقرآن العناية بالسنة الشارحة للقرآن الكريم.
إيها المسلمون: ومن سنة نبينا ﷺ أن نبدأ بالفطر الذي ينهي حالة برنامج الصيام اليومي ولذا يحرم صوم هذا اليوم، ثم التكبير والصلاة إخوة الإيمان: وكما نحافظ على الصيام ونتابعه بجد وإحسان فعلينا أيضاً أن نحافظ على الصلاة التي من خلالها نعمر بيوت الله ذكراً وصلاةً ودعاءً وتوحيداً واجتماعاً.
فالصلاة تقوي الإيمان وتزيد صلة العبد بخالقه وتملأ قلبه باليقين والتوكل عليه وتزيد درجات العبد ومنازله عند ربه فعن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: (سل) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: (أَوَغَيرَ ذلك ؟) قلت: هو ذاك قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود).
وهذا يعني أن الوصول إلى أعلى الدرجات والمنازل بحاجة إلى عمل وأي عمل أفضل من الخضوع والسجود لله ﷻ إخوة الإيمان: ويتوجب علينا أيضاً متابعة فريضة الزكاة والتواصل مع الفقراء والمساكين طوال العام، فالزكاة جاءت في معظم الآيات القرآنية مقرونة بالصلاة، ولا يخفى عليكم هذا الترابط الوثيق بين هاتين الفريضتين، فالصدقة تزكي المال وتزكي نفس صاحب المال، قال ﷻ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} وقال ﷻ: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
أيها المؤمنون اتقوا الله ﷻ وصلوا ما أمر الله به أن يوصل من حقوقه وحقوق عباده. قال الله ﷻ: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} فصلة الرحم سبب لطول العمر وكثرة الرزق قال النبي ﷺ «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» (متفق عليه).
وقال ﷺ: «الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» (متفق عليه).
أيها الناس: إن المروءة والفطرة السليمة تقتضي مكافأة من أحسن إليك قريبًا كان أم بعيدًا، فبعض الناس لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه وهذا في الحقيقة ليس بصلة فإنه مكافأة يقول النبي ﷺ: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل إذا قُطِعَتْ رحمه وصلها» (متفق عليه) فصِلُوا أرحامكم وإن قطعوكم وستكون العاقبة لكم عليهم فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: «يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ – أي الرماد الحار – ولا يزال معك من الله ظهير عليهم أي معين عليهم ما دمت على ذلك» (رواه مسلم).
واحذروا أيها المؤمنون من قطيعة الرحم فإنها سبب للعنة الله وعقابه يقول الله ﷻ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال «لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم» (متفق عليه).
وأعظم القطيعة قطيعة الوالدين ثم من كان أقرب فأقرب من القرابة ولهذا قال النبي ﷺ «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاث مرات قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين» سبحان الله ما أعظم عقوق الوالدين ما أشد إثمه إنه يلي الإشراك بالله ﷻ إن عقوق الوالدين قطع برهما والإحسان إليهما وأعظم من ذلك أن يتبع قطع البر والإحسان بالإساءة والعدوان.
أيها الاخوة المؤمنون: لقد امر الله ﷻ في كتابه بالعفو والصَّفح عن المسيئين ووعد على ذلك الأجر العظيم، فقال ﷻ: {ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ومدح الله ﷻ العافين عن الناس وأخبرنا عن صفات من أعد لهم جنات عرضها السماوات والأرض فقال: {لَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
إن العفو والتسامح خلُقان كريمان يحتاجهما الناس لتنقية النفوس من الشوائب وتطهير القلوب من الأذى حتى ينعم المجتمع بالخير والحب والثواب يقول ﷻ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
وقد علمتم ان رسول الله ﷺ قد عفا عن اهل مكة الذين أساءوا إليه وآذوه فقال يوم فتح مكة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وهذا يوسف عليه السلام بعد المعاناة والصعاب والمحنة والبلاء الذي لاقاه يقول لإخوانه: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}
ويومنا هذا يوم عفو وتسامج فلتتصافح فيه القلوب قبل الأيدي ولتتعانق فيه الأرواح قبل الاجسام علَّ الله ان يعفو ويغفر لنا.
إخوة الإيمان: ونحن في هذه الأيام نطلب من الله ﷻ العفو والمغفرة والعتق من النيران فأعتقوا قلوبكم من الغل والحقد وطهروا أرواحكم من العداوة والبغضاء ولتسمو النفوس بالمحبة والإيمان.
فهنيئاً لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى نسأل الله ﷻ الفوز بالجنة والنجاة من النار وان يعتق الله رقابنا ورقاب والدينا والمسلمين أجمعين من النار.
وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية
يقول الله ﷻ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} أي إذا فرغت من عبادة فتهيأ واستعد لمثلها واجتهد لتقدم أنواعا أخرى من الخير.
ويقول ﷻ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} والبناء بحاجة إلى جد وجهد واجتهاد ووقت ولكن الهدم يكون سريعاً فعلينا أن نحافظ على اعمالنا المتواضعة التي قدمناها لربنا ﷻ خلال شهر رمضان فالصيام مدرسة توثق علاقة العبد بربه وتقربه منه ﷻ وقد كان رسول الله ﷺ يحث على التطوع في الصيام.
وعليه فلا بد أن نتابع مسيرة البر والإحسان وأعمال الخير والصيام قال صلوات ربي وسلامه عليه: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
وكان النبي ﷺ كان يكثر من صيام يومي الاثنين والخميس وسئل ﷺ عن صوم الاثنين فقال: (ذلك يوم ولدت فيه).
الصَّـلاة جامِـعة
المزيد من خُطَب عيد الفِطر
- ↵ خطبة عيد الفطر المبارك مكتوبة (منقحة + بالآيات والأحاديث)
- ↵ خطبة الأوقاف لعيد الفطر مكتوبة + ملف pdf
- ↵ خطبة عيد الفطر مشكولة – مكتوبة جاهزة ومنقَّحة
- ↵ خطبة يوم عيد الفطر المبارك «جاهزة بالعناصر والفقرات والدعاء»
وكُل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.