دائما ما يغريني التأمل حول الشعوب الأكثر صراخا. والشعوب الأخرى الأكثر همسا!. الدول الآسيوية القصوى كاليابان وكوريا والصين وماليزيا غيرها، يتحدثون بالهمس، وحينما يقبل إليهم العربي فيتحدث على سليقته، ينظرون إليه بكل حنق كأنهم يقولون: «ولماذا تصرخ؟ ماذا فعلنا لك يا هذا؟»، في حين أن هذا العربي المسكين يشعر بأقصى حالات التلطف والرقة في حديثه!.
في المقابل، فدول الجنوب الإفريقية تهمس صراخا، فأصواتهم العميقة قد تشعرك بأن حربا قد تنشب، غير أنه قد يكون في منتهى طبيعته وتلقائيته. ولذلك حينما كنت يوما في شرق آسيا ورأيت صديقا جنوب إفريقي مقبلا على أحد المكاتب هناك علمت أن حربا توشك على الوقوع، فإن هذا الشرق آسيوي لن يصدق أن صاحبي يتحدث بكل عفوية وبأنه لا يصرخ. أما الشعوب الأخرى فهي في الوسط صراخا وإن كانت الشعوب العربية والإسبانية هي الأكثر ارتفاعا وضجيجا. ولعل هذه الصفة المشتركة تعود للتشابك العرقي بين العرب والإسبان في فترة قبل محاكم التفتيش.
وحتى الشعوب اللاتينية في جنوب أمريكا تتحدث تماما كالإسبان في ارتفاع الصوت وتبدو أشكالهم تماما كالعرب فهم بقايا الإسبان القادمين من أوروبا. فكثيرا ما يحدثني القادمون من أمريكا اللاتينية بالإسبانية ظانين أني لاتيني!.
مع تلك الشعوب العالمية جميعها، الناس لهم طريقة فريدة في الحديث، ولهم درجات محددة في ارتفاع الصوت وعاداتهم وتقاليدهم تؤكد ذلك وترسخه وتجعله قاعدة عامة.
حينما أدخل مقهى ما، أستطيع أن أخمن من خلال ارتفاع الصوت ودرجته من أي منطقة من العالم ينتمي هذا المتحدث. فأحبابنا العرب والإسبان واللاتينيون يصرخون ويقهقهون حتى تسمع أصداء القهقهات في جنبات المكان. وقد يضربون الطاولة حينما ينفعلون مع النكتة. ويضربون كفا بكف فيشيعون جو الضحك والقهقهة في كل الأنحاء!. فيعيش الأكثر صراخا.
بقلم: عبدالله العودة