ما زالت صورة رجل الكهف هي الصورة المثلى للرجولة عندي.. قوي، مفتول العضلات، يبسط حمايته ويؤكد سيطرته.. يجر أنثى جميلة من شعرها الطويل دون أن يتعطف عليها بنظرة واحدة، ولكنها سعيدة برجلها القوي الذي روضها وأشعرها بضعفها وأنوثتها..
والحق أن طنطنة المثقفين صارت مملة فعلا من فرط ما حاولوا تشويه الفطرة وإشعارك بالذنب إذا أعجبت بامرأة جميلة وكأن ذلك عار!! وصرت مطالبا بنفي هذه التهمة مع قوالب محفوظة بأن الجمال جمال الروح والمهم الشخصية وأشياء من هذا القبيل.. وعليك أن تعلن ازدراءك للجمال، وإلا فتهمة السطحية جاهزة.
وبودي لو صدقتهم لولا عيونهم التي تخرج من محجريهما لحظة مرور أنثى جميلة.. اختلاس النظرات، ونشفان الريق، واحتباس الأنفاس.. وتلك المحاولات المضحكة لاستعادة زمام النفس.. والسبب الحقيقي في هذا التناقض بين ما نقوله ونفعله هو التصادم مع الفطرة الصارمة التي لا تسكب في دمائنا (الحمراء) جالونات من الهرمونات القلقة لمجرد اللهو.
وبالمثل تخجل النساء من إعلان الإعجاب بالرجولة الخشنة.. عليها أن تعيد تلك الأسطوانة عن الثقافة والاحتواء والحنان إلى آخره.. وكلها أشياء ضرورية بالطبع لكنها لا تنفي إعجاب الأنوثة الفطري بالرجولة الخشنة والقوة المسيطرة.. وفي كل حال فأنتم أحرار في آرائكم التي تعلنونها، ولكني بصفتي رجلا تافها لا يرقى إلى هممكم العالية فإنني أعتقد أن الجمال أهم ما يزين المرأة، ومثلها القوة في الرجال.
عنترة يبعث من جديد
والحكاية تبدأ من المستشفى التي أعمل بها.. بل أبعد من ذلك.. من الانتخابات البرلمانية السابقة.. قالوا سيأتي أحد ضحايا العنف لجراحة عاجلة.. وتنهدت وتتابعت في ذهني –وأنا في انتظار دخول الضحية المنتظرة– مشاهد سريعة متتابعة للعمل السياسي في مصر.. وكلها مشاهد –وأظنك توافقني– مثيرة للشجون.. الحراك السياسي في منظمات المجتمع المدني، وهؤلاء المثقفون المتحمسون يخرجون في مظاهرات كفاية.. (صديقة من دعاة حقوق المرأة ضربت علقة ساخنة في إحدى المظاهرات.. وعادت ممزقة الثياب لا تصدق أنها هي –وهي الفيلسوفة المفوهة– (أكلت) علقة معتبرة، حاولت إفهامها أن القوة الغاشمة تنتصر دائما على الفلسفة، وضربت مثالا بالمرحومة أمي التي كانت –حينما أضجرها بالأسئلة الميتافيزيقية– ترفع شبشبها الأحمر الذي كان لينا ويلسع، لكن الفيلسوفة كانت تتوجع، ولم تبد أي استعداد لسماع ذكرياتي).
على أن كل هذه الذكريات تلاشت حينما اقتحم الغرفة هيكل ضخم يملأ فراغ الحجرة، ومن خلفه موظف المستشفى الذي بدا طفلا في الثانية من عمره بجوار المريض، رغم أنه في الحقيقة متوسط الطول عريض المنكبين.
انعقد لساني من ضخامته.. وقلت بعد أن ذهبت دهشة المفاجأة
المفترض أنهم ضربوك في الانتخابات لكنك لن تستطيع إقناع أحد بذلك.. صدقني.
ابتسم الفتى في وداعة.. طلبت منه أن يرقد على سرير الكشف الذي كاد ينهار تحت جرمه الهائل.. وشرعت أتأمل بنيته الحديدية، ومنكبيه العريضين، وصدره المكدس بالعضلات.. والمدهش أن وجهه وجه طفل بملامح شديدة البراءة.. قدرت أنه لا يتجاوز الثانية والعشرين.
ودلتني لحيته الكثة أنه ينتمي إلى الفريق الآخر المنتمي للتيارات الدينية في مواجهة بلطجية الحزب الوطني.. ابتسمت ابتسامة جانبية، وأنا أطالبه بتفسير تلك المعضلة؟.. كيف ضربوا فيلا مثله!!.. وما هي أحجامهم بالضبط، وهل الديناصورات لم تزل تمرح على الأرض في سلام؟ بدا لي الولد عاجزا عن فهمي ومتابعتي.. ولا يفهمني بدقة.. هل أسخر منه أم أبدي إعجابا صريحا بقوته المدهشة؟
وحش الشاشة
ولم يفهم الفتى أنني أمزح معه إلا حينما طلبت رقم هاتفه احتياطا لأي مشاجرة محتملة.. قال إنه (في الخدمة) و(محبة بلا مقابل)، لكني أفهمته أن الشغل شغل!.. وانتهى الكشف الطبي ليفرد الفتى قامته الأسطورية ساحبا كل هواء الغرفة بشهيق واحد.. ومضى إلى حال سبيله مصافحا إياي في ود قبل أن ينصرف.. مؤكدا عرضه بأنه في الخدمة دائما.
شيعته بنظرة باسمة، وقد قفز ذلك المشهد الطريف من أعماق الذاكرة.. وحش الشاشة العربية فريد شوقي لطخ وجهه بالسواد ليبدو مقنعا في دور عنترة الواقع في عشق عبلة، والتي هي بدوية تزن الرجال بفطرة الصحراء النقية.. وفي مقابله عريس الغفلة.. شاب مترف من أمثال شباب هذه الأيام.. وجيه مدلل لا يملأ عين الأبية عاشقة الأسود مهما بذل الغالي والنفيس.
ويكون المشهد هكذا:
يزأر عنترة، تلمع عيون عبلة بالإعجاب الصريح، أما عريس الغفلة فقد أغشى عليه.. حينما أفاق صرخ بصوت متحشرج وهو يحرك يديه متلمسا بعض الهواء:
– العطر يا ولد
وبالتالي فعلت مثله.. هويت على وجهي وهتفت بصوت متحشرج مداعبا نفسي على سبيل التسلية:
– العطر يا ولد.
بقلم: د. أيمن محمد الجندي
⇐ واقرأ أيضًا هنا المزيد: