مؤكد أنكم قرأتم عن فتاة جزائرية تدعى سارة. ولمن لم يسمع بها، فهي شابة قدمت بصحبة ذويها لأداء العمرة. سكنت العائلة في أحد الفنادق المجاورة للحرم المكي عددا من الأيام قبل أن تفجع بمقتل ابنتها في حادثة ما زال يلفها الغموض حتى الساعة.
تقول الرواية الأولية إن سارة لقيت حتفها حين كانت هاربة من عاملين في الفندق كانا يعتزمان اغتصابها قبل أن تهوي من سطح الفندق لتقتل على الفور. لكن رواية أخرى تتحدث عن «علاقة حب» جمعتها بعامل كانت تلتقيه في المكان الذي سقطت منه، وأن عاملا آخر فاجأهما في مكان الموعد الغرامي، فتعثرت وهي تحاول الهرب لتهوي من هذا العلو الشاهق.
وأيا ما كانت الحقيقة، فلا بد أن نعترف بعظمة المثل الذي يقول «ومن الحب ما قتل».
دعونا نتحدث بصراحة مفرطة. كم شابا وفتاة يربطهما ما يظنان، أو يظن أحدهما، وبعض الظن إثم، أنه علاقة حب؟ العشرات؟ المئات؟ الألوف؟ عشرات الألوف؟ نعرف تماما أنهم أكثر بكثير. طيب. كم من هذه العلاقات ينتهي بزواج؟ عشرة؟ عشرون؟ ثلاثون؟ مائة؟ معظمنا يدرك أن العدد أقل من ذلك بكثير.
ما أريد أن أصل إليه أن هذه العلاقات في بيئة تشبه بيئتنا، قد تجر، ولا سيما على الفتاة، ويلات ومصائب، وربما حتى جرائم لا تحمد عقباها، وقد تصل إلى القتل كما قرأنا وسمعنا كثيرا.
وللأسف فإن «من الحب ما قتل» مثل لا ينطق على حوادث مشابهة. إذ يخلط غالب الشبان والفتيات بين الحب والنزوة. بين العشق والرغبة المحضة. ويبنون علاقات قد توصف على أنها «قاتلة» رغم أنهم لو راجعوا أنفسهم لأيقنوا أنها علاقات لا تختلف كثيرا عن الخمر، ضررها أكثر من نفعها.
أنا لست ضد الحب إذا كان صادقا، لكنني ضد الأنانية. أعرف أن الفتاة التي تخوض علاقة نزوية تعتقد في قرارة نفسها أنها تحب الطرف الآخر. لكن ماذا عن أسرتها؟ والدها، والدتها، أشقائها. ألا تجمعها بهم علاقة حب تستلزم أن تحرص على ألا ترتكب ما يخدشها أو يؤذيها؟
دعونا نتحدث عن الطرف الآخر، الذكر. ألا يقتضي «حبه» لهذه الفتاة أن يتقدم لخطبتها إذا كان صادقا؟ كلا. لأن لديه عذرا جاهزا «ماديتي ما تسمح. اصبري الين اتوظف». أو ربما يضطر إلى إنهاء العلاقة بذريعة جاهزة هي الأخرى «الوالدة خطبت لي قريبتها. لكني راح ابقى احبك للأبد، هذا هو الشي اللي أنا متأكد منه»، لكن الشيء الوحيد الأكيد أنه يفكر في قرارة نفسه أن هذه الفتاة التي يزعم أنه يحبها، لا تصلح زوجة ولو كانت آخر نساء الأرض.
هل من الحب ما يقتل؟ ربما. وسيكون أمرا يستحق لو كان حبا صادقا وحقيقيا ومخلصا. لكن من الظلم أن تموت فتاة، أو شاب حتى، من أجل علاقة لا يمكن إلا أن تكون محض نزوة.
بقلم: أحمد ضيف