الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أتمَّ علينا نعمَه، وهدانا إلى سبل الخير ورحمَه، نحمده على فضله، ونشكره على إحسانه وكرمه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها الفوز يوم القيامة، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، إمام كل ذي همةٍ وقامة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاةً دائمةً تتوالى على مرّ الأيام والليالي.
عباد الله : نهى الله ﷻ عباده المؤمنين عن التنازع. يقول الله ﷻ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
والتنازع هو التخاصم والتخالف بهدف إلغاء الآخر وإسقاط رأيه ولو كان حقاً اتباعا للهوى وتكبراً على الحق. وهو مؤد لا محالة إلى الفشل وإضعاف الأمة ويسبب لها الهزيمة والتراجع، لأن كل واحد من المتنازعين يسعى أن يثبت رأيه وموقفه بأي وسيلة ولو كانت قلب الحق باطلاً والباطل حقاً، فينشأ عنه العداوة والبغضاء والفرقة وهذا هو عين الإفساد. يقول الله ﷻ: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 42.
وقد أمر الله ﷻ المسلمين بالوحدة ولزوم الجماعة، وجعل ذلك سبباً من أسباب قوة الأمة ومنعتها. يقول الله ﷻ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران: 103.
ويقول النبي ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ» سنن الترمذي.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» سنن الترمذي.
وقد شبه النبي ﷺ المؤمنين بالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، مما يؤكد على حرص النبي ﷺ على تعميق وحدة الجماعة بين المؤمنين، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً» متفق عليه، ومثله قوله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» صحيح مسلم، وأخرج أبو داود عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله ﷺ: «من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه» سنن أبي داود.
وإن من مبدأ لزوم الجماعة يقتضي أن لا ينفرد كلّ فرد برأيه ويتصرف على هواه مما يوقع الأمة في حرج. قال ﷺ: «يدُ اللَّهِ معَ الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ» اخرجه الترمذي.
ورحم الله ابن المبارك حيث قال: إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروتـه الوثقى لمـن دانا
ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى وحدة الصف ليبقى بلدنا قوياً منيعاً في مواجهة كافة التحديات التي تحيط به، فالواجب علينا جميعاً أن نحكّم عقولنا وضمائرنا، ولا نحكّم أهواءنا وشهواتنا، ولا ننجرّ وراء عواطف غير محسوب عواقبها ولا تؤتي ثمارها، وعلينا أن نحسن الظنّ بأنفسنا، وأن نبتعد عن إساءة الظنّ، وعلينا أن لا نغفل عما قام به هذا البلد المبارك من أداء واجبه اتجاه أهلنا في غزة والضفة وفلسطين، من خلال إرسال المعونات والمساعدات برّاً وجواً، وارسال المستشفيات الميدانية لرعاية الحالات المصابة وتقديم الرعاية الصحية لهم، بالإضافة إلى الجهود السياسية والدبلوماسية التي أوصلت معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم، ودافعت عن حقوقه المشروعة، فنحن هنا أخوة متحابون كما أرادنا الله ﷻ أن نكون.
يقول ﷻ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات: 10، وعلينا أن نعلم أن وحدتنا هي سرّ قوتنا، وهي أكبر داعم لأهلنا في فلسطين وعلى أرض غزة، لذلك علينا الحرص على وحدة صفنا، وأن لا نسمح لأحد بالتلاعب في وحدتنا واستغلال عواطفنا ومشاعرنا الإيمانية الصادقة، فما ضعفت أمتنا إلا عندما تفرقت، فطمع بها الطامعون، وتداعى عليها الأعداء تداعي الأكلة على قصعتها، فكان هذا نتيجةً ظاهرةً لهذا التفرق.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم
وهنا ⇐ إليكم خطبة جميلة لهذا الأسبوع بعنوان: الألفة الإيمانية
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي فضَّلنا على كثير من خلقه بنعمة الإسلام، وهدى القرآن، فنسأله ﷻ أن يثبتنا على دينه، وأن يجعلنا من أهل الإيمان واليقين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بأهداب القيم، واصدقوا الله في السر والعلن، ففي تقوى الله عزٌّ ومجد، وفي الأخلاق رفعةٌ وحمد، ومن بنى مجده على الفضائل عاش مرفوعاً في الدنيا، وحُسنُ العاقبة له في الأخرى. واعلموا أنَّ الهوية تُصان بالعطاء، والوطن يُبنى بالإخلاص والوفاء، فكونوا للوطن درعاً حصيناً، وللمجتمع بنياناً متيناً، ينفعُ أحدكم نفسه وبلاده، ويبلغ بذلك رضا ربه ومراده.
هذا، وأكثروا من ذكر الله في كل حين، وتعرضوا لنفحات رب العالمين، واغتنموا أوقات الدعاء في السَّحر وساعات الإجابة، فقد قال سبحانه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وتوبوا إلى الله يغفر لكم، وادعوه يستجب لكم، فهو الغفور الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل القيم والأخلاق، وأدم على بلادنا الأمن والأمان على مرّ الآفاق، ووفق ولاة أمرنا لما فيه خير البلاد والعباد، واغفر لنا ما مضى من ذنوبنا وما كان، يا عظيم الجود والإحسان.
وصلوا وسلموا على نبيكم المختار، فقد أمركم ربكم بذلك في محكم الأخبار، فقال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.