عناصر الخطبة
- ضرورة معالجة المشكلة الفساد في الأرض.
- التلوث والأضرار البيئية الناجمة عن سلوك الإنسان.
- أهمية حماية الأرض والبيئة والمحافظة على مواردها.
الخطبة الأولى
تحدثنا في الجمعة الماضية عن نوع من أنواع الافساد في الأرض، والذي يطال خطره البشرية جمعاء الا وهو المخدرات وأثرها على الانسان والإنسانية، واليوم سنتحدث عن نوع آخر من الافساد الا وهو الافساد في الأرض بعد إصلاحها.
عباد الله: خلقَ اللهُ ﷻ الأرض ليعيش فيها الانسان، وجعل سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام خليفة فيها، ومن الخلافة المحافظة على الأرض ومواردها، لان فيها أسباب معاشنا وحياتنا، فنحن نعيش على ظهرها ونستنشق هواءها ونشرب من مائها ونستظل بظلها، فهي مسخرة لنا ولخدمتنا، قال الله ﷻ: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ لقمان:20، فالواجب علينا ان نحافظ عليها كما نحافظ على حياتنا وحياة أبنائنا.
وقد حرم الله ﷻ الاعتداء على الأرض بكل صوره وأشكاله، لأن فيه اهلاكاً للحرث والنسل وافساداً كبيراً، قال ﷻ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ الأعراف: 56، فتخريب أي عنصر منها يؤدي إلى خرابها وفسادها، بل إن العديد من الأمراض والأوبئة سببها العبث والإفساد فيها.
ولا شكّ أن سلوك الإنسان الخاطئ وغير الرشيد في تعامله مع الأرض التي يعيش على ظهرها يجعلها تتعرض لخطر شديد، وما يعانيه العالم اليوم من مشكلات ومخاطر إنما هو نتاج ما اقترفناه في حقها من استغلال مدمّر ومستنزف لِمواردها وهذا فسادٌ عظيم، قال ﷻ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ الروم: 41.
فالزرع والشجر، نعم عظيمة من الله ﷻ أمرنا الله ﷻ بالعناية بهما والمحافظة عليهما ، وأعد لمن يقوم بذلك أجراً وثواباً عظيماً، قال رسول الله ﷺ : «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ» ← متفق عليه، وبالمقابل فإن من قطع شجرة ظلماً وعدواناً فقد توعده النبي ﷺ بأشد الوعيد، فقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً، صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ فِي النَّارِ» ← سنن أبي داود.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ رحمه الله ﷻ بعد رواية هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ: يَعْنِي: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمِ عَبَثًا وَظُلْمًا، بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا، صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ فِي النَّارِ.
بل كان من توجيهاته ﷺ في غزواته ومعاركه وتوجيهات الخلفاء من بعده، ألا يقطعوا شجراً أو يخربوا عمراناً أو يهدموا بنياناً، ونقول لمن يقطعون الأشجار أو يتسببون في حرقها اليوم، جراء الإهمال في تنزهاتهم ورحلاتهم: اتقوا الله، ولا تكونوا من المفسدين.
وقد حرّم النبي ﷺ تلويث الأماكن تحت الأشجار كإلقاء مخلفات الرحلات والقمامة خاصة ونحن اليوم نعيش أجواء الصيف التي تكثر فيه الرحلات والتنزهات؛ لأن الناس يتفيؤون ويستجمون ببرودة ظلالها ويأكلون من ثمرها المتساقط تحتها، وإن من صور الاعتداء على الأرض ما نراه اليوم من (الرعي الجائر) في الأماكن غير المخصصة للرعي، مما يؤدي الى استنزاف الأشجار واتلاف المزروعات التي تُزرع ولا تعطى فرصة لنموها والاستفادة منها وتعطيل دورها ووظيفتها في التوازن البيئي.
أيها المؤمنون: لقد أمرنا الله ﷻ بالمحافظة على المياه ومصادرها وأماكن تجمعها، وحرم إفسادها وتلويثها، لما في ذلك من آثار مضرة على البيئة والإنسان والحيوان، فتلويثها بما يقذف فيها من عناصر مسمومة ومخلفات المصانع الضارة، والأوساخ والقاذورات، يفضي أيضاً إلى فسادها وعدم الاستفادة منها، وقد خلق اللهُ الأرض من أجل إعمارها وادامة الحياة فيها، وتمكين الإنسان من أداء مهمة الخلافة على ظهرها.
ولا يقف الأمر عند تحريم تلويث المرافق، بل إن المسلم الحق هو من يتقرب الى الله ﷻ بإزالة الأذى الذي وجد من غيره، ويُعدّ ذلك باباً من أبواب الإيمان والعمل الصالح، قال النبي ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» ← صحيح البخاري.
وكذلك فإن من أهم عناصر البيئة التي ينبغي الحفاظ عليها نعمة الهواء الذي يتنفسه الإنسان، الذي أصبح في زمانناً ملوثاً بأنواع الملوثات كدخان عوادم السيارات والمصانع وغيرها من الملوثات، مما أدى إلى حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض وتغير مناخها، وهذا إفساد في الأرض نهى الله ﷻ عنه، قال سبحانه:﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ البقرة: 205.
إن المحافظة على الأرض والبيئة مسؤولية فردية وجماعية وليست مسؤولية الدولة وحدها، وواجب على كل مسلم ان لا يلقي المسؤولية على غيره، ومما ينبغي علينا كأفراد وجماعات، أن نحافظ على أرضنا التي نعيش فوقها ونحميها من الاعتداء عليها، ولا نسمح بتخريب الأشجار والنباتات حتى لا نكون سبباً في تغيير طبيعة الأرض وايذاء المخلوقات، وهذا يتطلب سن التشريعات اللازمة لحماية الأرض والبيئة من أنواع الفساد المختلفة، ومنها ما نراه من اعتداء صارخ على الغابات في بلادنا وذلك بحرق اشجارها تعمداً دون تورع ومخافة من الله ﷻ.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه.
ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر» ←، ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي» ←.
وعليكم أيضاً بــ «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين..
المزيد من الخطب الدَّاعمة:
- ↵ خطبة تضرب بيد من حديد في موضوع محاربة الفساد والمفسدين
- ↵ أقوى خطبة عن النزاهة ومكافحة الفساد – مكتوبة
- ↵ خطبة: التحذير من الفساد والمعاصي
- ↵ الحفاظ على المال وحتمية مواجهة الفساد
والله ﷻ وليّ التوفيق