هُنا، سيكون لنا وقفات مع رحلة الإسراء والمعراج. وما كان بها من معانٍ وعِبر مواعظ ولفتات. سنتطرَّق للحديث في عِدَّة نِقاط ونسرِد فيها القول.
لماذا كانت البداية “سبحان”؟
السورة الوحيدة التي بدأت بكلمة “سبحان” هي سورة الإسراء. فهُناك -على سبيل المثال لا الحصر- “يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ” ~ سورة الجمعة. و “سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ” ~ سورة الحديد. لكن هذه الوحيدة “سبحان”.
وسبحان، مصدر من سبح، يسبح، سبحانًا. والله عز وجل يسبح نفسه وذاته عند كُل من غريب.
أمثِلَة
- لما كان الإتيان بالليل وبالنهار من آيات الله، لا يقدر عليه إلا الله -القدير-، فقال “فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ” ~ سورة الروم – الآية ١٧.
- ولما بلغ من نزاهة عائشة -رضي الله عنها- في حديث الإفك، قال “سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ” ~ سورة النور – الآية ١٦.
والتسبيح يكون عند كل شيءٌ عجيب. يقول الدكتور محمد الحسيني: فهل هنالك أعجب من رحلة الإسراء والمعراج؟ التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، إلى المسجد الأقصى، ثم إلى السماوات العلا، ثم يرى ما في الجنة وما في النار، ويعود ويرى مكان فراشِه لم يبرُد.
فهنا تتجلّى قدرة القادر سبحانه وتعالى.
لماذا لم تكن الرحلة من المسجد الحرام إلى السماوات العلا مباشرة؟
جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى في هذه الليلة للاحتفاء به من الأنبياء (١٢٤٠٠ نبي). من أول آدم إلى سيدنا عيسى عليهما السلام.
لما رأوك به التفوا بسيدهم * كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر * ومن يفز بحبيب الله يأتمم
كما أن الأمر كان من عِند الله -تعالى- وليس عبثيًا. فإذا سألوه ﷺ عن رحلة الإسراء والمعراج يستطيع أن يصف لهم شيئا رأوه من قَبل.
أما إذا وصف لهم السماوات وما رأى فيها، فكيف سيكون التصديق وهم لم يسافروا إلى السماوات العلا ولا يعرِفوا ما فيها ولم يروه من قبل؟
لكن، حيث يصِف لهم ﷺ أسطوانات بيت المقدس وأبوابه ونوافذه. وحتى حينما التبس الأمر عليه أحضر الله -تعالى- له المسجد الأقصى ليراه رسول الله بأُم عينيه، وأكمل الوصف لهم.
وقد طابق هذا الوصف هؤلاء ما رآه وما كان يعرفه هؤلاء القرشيّون. ومع ذلك كذبوه أيضًا، وأصرّوا على هذا.
ليأتي أبو بكر الصديق ليقول عبارته الشهيرة “إن كان قال هذا فقد صدق”. ويُعلِّل، أنه يُخبرني بما هو أبعد من ذلك! يخبرني بأن الخبر يأتي إليه من السماء للأرض في ساعة واحدة، وما بين السماء والأرض أبعد مما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
لماذا وصِف النبي في الرحلة بـ “عبده”
وحتى لا تزيغ من الأبصار، ولا تطيش من العقول. الله عز وجل قال “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ”. ولو شاء الله لقال: بمحمد أو برسوله أو بنبيّه.
لكن لماذا كان الوصف بـ”عبده”؟
لكي يعلَم كُل مسلم أن النبي ﷺ رغم صعوده للسماوات العُلا، ورأى ما رأى وسمع ما سمع من آيات الملك والملكوت، وأكناف العزة والجبروت. ومع ذلك كان في لفظ “عبده” تحصينًا من الشرك.
فبرغم كل هذا فهو لم يتعدى كونه عبدًا لله رب العالمين. له منزِلة وهو رسول ونبي ومُختار ومُصطفى، لكنه يتوقف عند هذا الحد، وهو كونه عبدًا لله -تعالى- وأن الإله الواحد القهار هو الله عز وجل.