ما العمر إلا ساعات وأيام، تنفرط كحبات العقد، وتمضي على عجل دون إنذار، قد يضيع معظمه في السعي وراء أحلام وأوهام، تتعب القلب ولا تريحه، وتؤلمه ولا تسعده، وقد نفيق من غفلتنا بعد فوات الأوان لتسكن الحسرة ما تبقى من عمرنا، ولكن ليس هذا ما يريده لنا ديننا الحنيف ولا ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمن، فالمؤمن الفطن لا يضيع ثرواته هباءا ولا يفرط في نعم الله بلا جدوى.
في هذا المقال سوف نتعرض لأهمية الوقت في ميزان الشريعة الإسلامية وكيفية استغلاله على الوجه الأمثل، الذي يرضي الله ورسوله.
أهمية الوقت للمسلم
الدين الإسلامي يعتبر الوقت من أهم ثروات الإنسان، بل أهمها على الإطلاق وكم الأحاديث الواردة في ذلك الصدد أكثر من أن تُحصى، ولا يليق بنا ونحن في مقام الحديث عن الوقت وأهميته أن لا نتحدث عنها ولا نذكرها كشاهد على ما ندع إليه، ونطرحه من قضية الاهتمام بالوقت.
يقول الحسن البصري في معرض حديثه عن الوقت: (يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك، ذهب بعضك)، ويقول في موضع آخر: (أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم)، ومن الأحاديث النبوية التي تشكل حجرا أساسيا في تشكيل وبناء عقائدنا هو قول الصادق المصدوق –عليه الصلاة والسلام-: (لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ)، فالسؤال عن العمر يأتي في المقام الأول، فهل أدل على قدسية العمر وساعاته وأيامه من ذلك؟
وغير ذلك كثير من الأحاديث التي تؤكد هذا المعنى وتؤصله، والتي لا يتسع المقام لذكرها، ولأن المسلم حريص على عمره وعمله فيجب أن يعيها جيدا ويفهم أبعادها، ويضعها نصب عينيه في كل حال.
كيف يكون الفراغ نقمة؟
وقت الفراغ هو ذلك الوقت الزائد عن وقت العمل والعبادات المفروضة والواجبات الاجتماعية والدينية المكلف بها المرء، وهو وقت يكون فيه العبد حر التصرف يمضيه فيما يشاء، خيرا كان أو شرا، ومن الكوارث التي نعاني منها في هذا الزمان الشكوى من وقت الفراغ، وسوء استغلاله وتركه يضيع بلا فائدة، وهذا درب من العبث وعدم الشعور بالمسئولية، كما أنه مناف للحكمة والعقلانية!
ويعتبر الفراغ كارثة حقيقية ويتبعها كوارث أخرى من وجهين، أو لسببين، أحدهما: أن الإنسان لا ينبغي أن يستشعر الفراغ ويتحدث عنه إلا إذا استطاع أن يؤدي كل ما عليه في يومه، بمعنى إنه أدى عمله كما يجب، وأدى ما عليه من الفرائض كما يجب، وأدى ما عليه من حقوق تجاه أهله وأبنائه أو أبويه، وأدى ما عليه تجاه نفسه من حقوق بأن أحسن إليها بتلاوة بعض آيات القرآن الكريم، أو رطب لسانه بذكر الله، أو ذهب لزيارة مريض أو صلة رحم، فلو استطاع الإنسان أن يفعل كل ذلك خلال يومه، ثم تبقى من يومه ساعات أو حتى دقائق هنا تسمى وقت فراغ!
أما أن تترك عملك قبل وقته المحدد، وتتكاسل عن أداء صلواتك، وتضرب عرض الحائط بكل ما عليك من واجبات تجاه نفسك وتجاه من حولك، فهذا ليس فراغ، وهذا الوقت ليس زيادة بل هو وقت فرغته أنت من مهماته وأعماله، وجلست تزعم أنه فراغ، وهذه من المغالطات التي تكثر جدا في الحديث عن أوقات الفراغ وما تسببه من ملل لأصحابها.
أما السبب الآخر فإن شعور الإنسان بالفراغ وقناعته بأنه ليس لديه ما يفعله أمر سيئ إلى أبعد الحدود فهو يفتح الباب للأفكار الشيطانية والوسائل المحرمة لاستغلال الوقت.
كيف يكون الفراغ كنز من كنوز المؤمن؟
قال رسول الله –صل الله عليه وسلم-: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)، انطلاقا من هذا الحديث الشريف، فالفراغ نعمة وخاصة إذا اجتمعت معه الصحة، لأن المؤمن الفطن يجيد استثمار وقته فيما يفيد ولا يسمح أبدا بضياعه أو إهداره، فهو يحرص على استغلاله في طاعة أو قربة أو حتى تحقيق رفاهية مشروعة ، بأن يسري عن نفسه مثلا بالجلوس مع صحبة صالحة، أو مطالعة ما يفيده ويثري معرفته، أو في الانشغال بتقويم نفسه وتنميتها وتطويرها، فالمسلم دائما لديه ما يفعله، ولو أن يقضي فراغه في النوم قاصدا بذلك الاستعانة على أعماله وعباداته وراحة بدنه، فيكون ذلك في ميزان حسناته.