عندما تعم الفوضى وتغلي الأوضاع على صفيح النزاع، يبقى اختيار الشخص المناسب والجهة المصلحة أهم من الخسائر والخوف والدمار الراهن، وفي أدنى عدد الاختيارات المتاحة، ليكون ضرره مرتبطا ببقاء الوضع كما هو على أقل تقدير. أمريكا تركت العراق ممزقة وبلا هوية بعد مشوار غامض دام تسع سنوات تقريبا، بحجج انتهاء الاتفاقيات والحصانات التي لم تمنح، وهكذا يكون زرع الجسم الغريب الذي لن يؤلمه اجتثاث جذوره من قلب المكان، بقدر ما يترك فجوة وفراغا فاسدا، وجراحا تنز سما زعافا.
وهو درس قديم وليس بجديد، في تسلل الغريب لأي سبب كان، وخروجه «اللصوصي» ليستعد لدخول مشابه في مكان آخر، فالمصلحة الشخصية هدف واضح لا يحتاج إلى تفسير، وغيابها دليل على فشل متوقع ونوايا مشبوهة، فما الكعكة المتوقع تمزيقها بعد العراق؟
وحتى على مستوى الدولة الواحدة، يكون لبقاء الأوضاع متدنية أصابع اتهام صريحة، موجهة صوب المستفيدين من مصاصي الدماء، وقطاع الطرق بين الحكومة وشعبها.
وفي حياتك الشخصية فإن بقاءك ترزح تحت سقف المسؤوليات والضغوط، دليل واضح على وجود مستفيد ومستغل لطيبتك وجهلك بحقوقك، وللأسف قد يكون أقرب الناس إليك.
فالاستغلال جريمة مشتركة الأسباب بين المستغل والضحية، الأول يعرف من أين تخلع الكتف، والثاني «نائم» في بحر أحلامه يمنح دون حساب أو تفكير، مخدوع بهالة المثالية والطيبة والحب، لا يرى في الآخرين جانب الجشع والطمع، وقد يكون ضعيفا يخشى الرفض أو المواجهة. وكما يقول ديفيد فيسكوت «خذ وقتك كي تدرك نوايا الآخرين وتفهم اتجاه الريح وفترات انحسار المد» فإن التعامل مع البشر على مبدأ حسن الظن دائما، يعد مجازفة تشي بسذاجة لا تستوعب الإيمان بوجود الأضداد، الخير والشر، الصدق والكذب، الأمانة والخيانة، العدل والظلم. باختصار، قبل أن تتخيل أسباب الجذب وأنه «لسواد عيونك» تذكر أن تبحث عن مصلحة الآخر منك، إن كانت تناسبك أم لا، لتكون ضريبة تدفعها عن طيب خاطر، وفي مراحل متقدمة من الشجاعة تستطيع أن تحدد مسبقا المقابل الذي يوازي ما تمنحه، وزنا وقيمة.
بقلم: أمل بنت فهد