ألهتنا الحياة وأرهقنا التنافس والتصارع على تحصيل متعها والاستكثار من نعمها وطيباتها ومتعها الفانية، وقضت مضاجعنا نار الغيرة من غيرنا والحقد عليهم بسب ما فُضلوا به علينا من نعمة الولد أو المال أو الجاه أو السلطان، حتى بات كل همنا في الحياة أن نفوز بسباق تحصيل المزايا والخيرات والمجد والمتع مهما شق السير ومهما غلا الثمن، حتى وإن كان الثمن هو ضياع العمر هباءا وارتكاب المعاصي والذنوب والغفلة وقسوة القلب، سيطرت علينا غاية الفوز في هذا السباق المحموم فبررنا لأنفسنا كل الوسائل التي قد تعيننا على الوصول إلى تلك الغاية.
وهنا في هذا المقال سنحاول التعرف على مفهوم التنافس في الشريعة الإسلامية، وفيما يكون التنافس؟ وكيف كان تنافس الصحابة والسابقين إلى الإيمان؟ لعلنا نستطيع تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة وتعديل بعض أنماط الحياة المغلوطة! والله المستعان.
مفهوم التنافس
التنافس أو التسابق هو بذل الجهد والتعب حرصا على الوصول إلى أهداف معينة، قبل الآخرين والتنافس على وزن تفاعُل، أي أن التنافس يقتضي المشاركة ولا يكون إلا بين عدد من الناس، والتنافس قد يكون على تحصيل خير أو شر، وينشأ عنه رغبة قوية جدا في الفوز بالمتنافس عليه.
فيما يكون التنافس بين الناس؟
يكون التنافس بين الناس في الحصول على أي شيء وتحقيق أي هدف، فيتنافس الطلاب على الفوز بالدرجات العلى في الامتحانات والحصول على المراكز الأولى، ويتنافس زملاء العمل على نيل الترقيات والفوز بالقرب من رؤسائهم في العمل، وتحصيل الزيادات في الأجور وغيرها، وتتنافس الأمهات في هذا الزمان على الظهور بأفضل مظهر بين قريناتهن سواء في الملبس أو المسكن أو مظهر الأولاد، أو غيرها من ميادين إظهار الثراء والرفاهية المالية.
ويتنافس الشباب في هذا الزمان على نيل إعجاب الفتيات وإبهارهن، والفوز بقلوبهن، ويتبارى بعض العصاة في إظهار معاصيه والتفاخر بها وبيان قدراته وصولاته وجولاته فيها، فعجبا للأهداف التي نسعى إليها والمكاسب التي نقتتل عليها!
فيما كان الصحابة والسابقون يتنافسون؟
ضرب صحابة رسول الله للأمة أروع الأمثلة في التنافس والتسابق على تحصيل الخير، والعمل على نيل رضا الله والتقرب إليه عز وجل، بكل أنواع القربات من الصدقات والعبادات المفروضة والنوافل، وسنذكر بعض الصور التي نقلتها لنا السنة النبوية في قضية التنافس بين الصالحين.
حين يصبح هم المؤمن كيفية الوصول إلى مرضاة الله، وحين يصبح شغله الشاغل تحصيل الأجر وتجميع الحسنات، والتطلع إلى أعلى مقامات الصالحين في جنات رب العالمين، فتجده يبحث عن أسباب الوصول ولا يترك فضيلة إلا وأتاها ولا عمل أوصت به الشريعة إلا حرص عليه، ولا سنة إلا قام بها والتزمها.
ومن المواقف التي تؤكد هذا المعنى وترسخه موقف الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه- وأبي بكر الصديق –رضي الله عنه- فهما كانا مثلا حيا للمؤمنين الذين يتنافسون على خير الآخرة ونعيمها ويقدمون في سبيل ذلك كل ما بوسعهم من عطاء للدعوة الإسلامية ولنصرتها وإعلائها.
ومن تلك المواقف أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بإخراج صدقة في سبيل الله ودعا إليها أصحابه فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن ذهب إلى بيته وجاء إلى النبي بنصف ماله، وقلبه يحدثه بأمنية غالية جدا وهي أن يسبق أبا بكر في عطائه ويتفوق عليه في تلبية دعوة النبي –عليه الصلاة والسلام- فلما قدم إلى النبي سأله: ماذا أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم مثل هذا.
ولكن كدأب أبي بكر كان سباقا للخير ملبيا لدعوة حبيبه وخليله محمد –صلى الله عليه وسلم- فقد ذهب إلى بيته وجاء بكل ما يملك من مال، والقاه بين يدي النبي، وحين سأله ماذا تركت لأهلك؟ أجاب: تركت لهم الله ورسوله! فقال الفاروق –رضي الله عنه وأرضاه- معترفا بسبقه وفوزه في المنافسة على تقديم الخير للدعوة الإسلامية: والله لا أسبقنه أبدا!
فهكذا تكون المنافسة بين الصالحين والصديقين، كل منهم يرجو أن يكون الأسبق إلى تلبية داعي الحق وأوامره، والأسرع في تقديم الفضل لله ورسوله، ولا عجب فهؤلاء هم الذين يتنافسون على سلعة الله الغالية الباقية، وصدق الله إذ يقول: (خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)!