خليفة بن زايد آل نهيان؛ سيرة طيبة، وسنوات حافلة بالعطاء؛ تعجز الكلمات عن وصفها. تمتَّع بحب الناس وكان قريبا منهم. وأحَسّ باكِرا بالمسؤولية. وعرف حب الوطن، فغدا قائدا استثنائيا.
رحلة في حياة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان
وُلِد الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن دياب بن عيسى بن نهيان في الخامس والعشرين من يناير من عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وأربعين ميلادية، في قلعة المويجعي، بمدينة العين، في المنطقة الشرقية لإمارة أبو ظبي. وهو أكبر أبناء المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
تلقى الشيخ خليفة تعليمه الأساسي في المدرسة النهيانية التي تم افتتاحها في السابع من نوفمبر، عام ألف وتسعمائة وستين، في مدينة العين.
وقد واكب والده المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في جميع مراحلها.
انخرط الشيخ خليفة مبكرا في تحمل المسئولية. فشغل أول منصبٍ رسمي في شهر سبتمبر عام ستة وستين من القرن الماضي. حيث كُلِّف ليكون ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية ورئيس المحاكم فيها.
اقترب الشيخ خليفة أكثر فأكثر من نبض المواطنين بشكلٍ يومي؛ فاطلع على أحوالهم، وتعرف على تطلعاتهم وآمالهم، وسعى منذ ذلك الحين لتلبية ما ترنوا إليه عيونهم بالحاضر وتعد ذلك إلى مستقبلهم. فكان لهذا المنصب الأهمية الكبيرة للشيخ خليفة خلال وجوده في مدينة العين.
رحلة الشيخ خليفة.. السياسية والاقتصادية
في الأول من شهر فبراير عام تسعة وستين، عُيّن الشيخ خليفة وليا لعهد إمارة أبو ظبي، ورئيسا لدائرة الدفاع. فتولى بحكم منصبه قيادة قوة الدفاع في الإمارة. ولعب دورا أساسيا في تطويرها وتحويلها من قوة حرسٍ صغيرة إلى قوة متعددة المهام ومزوَّدة بمعداتٍ حديثة.
في الأول من شهر يوليو عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعين تولى الشيخ خليفة رئاسة أول مجلس وزراء محلي لإمارة أبو ظبي. إضافة إلى تقلده حقيبتي الدفاع والمالية في هذا المجلس. فبذل جهودا كبيرة لإنجاح هذه التجربة الفتية.
كان الشيخ خليفة بن زايد على يمين والده المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان عند إعلان ولادة دولة الاتحاد، دولة الإمارات العربية المتحدة. فانكَبّ بهِمَّة ونشاط متواصل على إنجاح هذه التجربة. حيث تولى حينذاك -إلى جانب مسؤولياته المحلية في أبو ظبي- منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية التي تم تشكيلها في ديسمبر من العام ألفٍ وتسعمائة وثلاثة وسبعين.
في شهر فبراير من عام أربعة وسبعين، وبعد إلغاء مجلس الوزراء المحلي، أصبح الشيخ خليفة بن زايد أول رئيس للمجلس التنفيذي في أبو ظبي، الذي حل محل مجلس وزراء الإمارة في اختصاصاته جميعها.
وخلال رئاسته للمجلس أشرَف وتابع مشاريع التطوير والتحديث كافة التي شهدتها الإمارة. وقد أولى اهتماما كبيرا لمشاريع تطوير وتحديث البنية التحتية ومرافق الخدمات المختلفة. وعمل على بناء جهازٍ إداريّ حديث ومنظومة تشريعية متكاملة، باعتبار ذلك أساسا لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أدرك الشيخ خليفة مبكرا أهمية تأثير التنمية الاجتماعية في تقدم الدولة بجميع خططها واستراتيجيتها الاقتصادية والاجتماعية. فعمل على تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة.. هي فلسفة قامت عليها دولة أوتادها راسخة ضاربة في الأرض لتعلو ببنيانها سماء الإنجاز. تقول هذه الفلسفة المطبقة في دولة الإمارات: إن تحسين الأحوال الاجتماعية يؤدي إلى التطور والتقدم، ما يعني أن العنصر البشري هو هدف وغاية التطور الاقتصادي في الدولة.
مَرّ اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الماضية بتطورات مهمة، كان لها طابعها المميز؛ وقد كان تطور الأحداث الاقتصادية محليا وخارجيا من السرعة بالشكل الذي كان يجب على السياسات والإجراءات أن تلاحقها. فأدت تلك السياسات دورا هاما في تخفيف حدة السلبيات ووضعت الدولة على طريق النهضة والتقدم.
إن المتتبع للسياسات الاقتصادية التي انتُهجت في عهد الشيخ خليفة يستطيع أن يتبين توجه هذه السياسات لتحقيق هدف الحفاظ على مستوى لائِق من المعيشة لكافة فئات المجتمع. مع اتجاه قوي لتنويع مصادر الدخل، والسعي الحثيث نحو التنمية الاقتصادية المتوازنة، وإعطاء دفعة قويةٍ للقطاع الخاص لتشجيعه على أداء دوره في عملية التنمية، وتطبيق تشريعات اقتصادية تحقق المناخ المناسب للاستثمارات المحلية والأجنبية، والحِرص على تنسيق السياسات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتوسيع التعاون الإقليمي وتحقيق المزيد من الاندماج مع الاقتصاد العالمي.
إن السياسة الاقتصادية التي اعتمدتها الدولة أدت إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة؛ وذلك من خلال إقامة المشاريع الإنتاجية والتنموية الزراعية والصناعية والعقارية والخدمية. بالإضافة إلى تفعيل دور القطاع الخاص بالتنمية لما يتمتع به من الكفاءة والتنظيم. وذلك لدفعه للمشاركة في كافة المجالات الاقتصادية، وكذلك فإن الاعتماد على التجارة ودعم المناطق الحرة في مختلف الإمارات جعل الإيرادات تتزايد بسبب التصدير وإعادة التصدير.
في الدولة الوليدة آنذاك كانت القيادة تلاحق كل صغيرة وكبيرة وتراقب كل التجارب، فتستقي منها، لتجعل من دولة الإمارات التجربة الفريدة والراسخة.
في شهر مايو من عام ستة وسبعين شغل الشيخ خليفة منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الحكومة الاتحادية. فأَولى فائقة واهتماما متزايدا بقواتنا المسلحة، فشهدت خلال تلك الفترة تقدما كبيرا على صعيد التجهيز والتدريب والقدرة على استيعاب التقنيات الحديثة والأساليب المتطورة التي حرص على توفيرها لقطاعات هذه القوات كافة.
ويُحسب لخليفة بن زايد آل نهيان إسهامه في صياغة عقيدةٍ عسكرية مستمدة من ثوابت السياسة العليا للدولة القائمة على الاعتدال وعدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام المصالح المتبادلة.
ففي ضوء هذه الثوابت عمل الشيخ خليفة على صياغة سياسة دفاعيةٍ تقوم على صيانة استقلال وسيادة الدولة ومصالحها. وقد أسهمت هذه السياسة في وضع القوات المسلحة الإماراتية في موقعٍ متقدمٍ أكسبها احترام العالم وتقديره.
في العام ألف وتسعمائة وستة وسبعين عمل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على تأسيس جهاز أبو ظبي للاستثمار الذي تولى رئاسته. حيث أشرف الجهاز على إدارة الاستثمارات المالية للإمارة ضمن رؤية استراتيجية لتنمية الموارد المالية، وللمحافظة على مصادر دخل مستقرة للأجيال المقبلة.
كما شغل منصب ممثل دولة الإمارات في الهيئة العربية للتصنيع الحربي.
وفي عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وثمانين ترأس الشيخ خليفة المجلس الأعلى للبترول؛ وهو أعلى سلطة نفطية في إمارة أبو ظبي، والجهاز الأعلى المسؤول عن شؤون البترول ووضع سياسة الإمارة البترولية.
كما تولى الشيخ خليفة رئاسة مجلس إدارة صندوق النقد العربي الذي يعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية. وعمل حين ذاك على تحسين التعاون النقدي العربي، وتشجيع تطوير الأسواق المالية العربية وتعزيز التجارة بين الدول العربية.
الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «رئيسًا لدولة الإمارات»
تم انتخاب الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في الثالث من نوفمبر عام ألفين وأربعة من قِبل حكام الإمارات رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة. فتولى سلطاته الدستورية الاتحادية خلفا لوالده المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي انتقل إلى جوار ربه في الثاني من نوفمبر من عام ألفين وأربعة.
فكان ثاني رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة بعد الوالد المؤسس والحاكم السادس عشر لإمارة أبو ظبي.
سياسة الشيخ والمواطِن الإماراتي
الأبواب المفتوحة هي السياسة التي حرص الشيخ خليفة انتهاجها في تعامله مع المواطنين. فكانت في عهده العلاقة بين الحاكم والمحكوم نموذجية. حيث كان يلتقي المواطنين من مختلف الإمارات ويستمع لهم قاضيا حوائجهم فيما أعانه الله. ومستجيبا لمطالبهم.
بل كان يعتبر أن أسعد اللحظات عنده هي تلك التي يجلس فيها مع المواطنين.
تبنى الشيخ خليفة إنشاء دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية التي تعهدت بمساعدة المواطنين في البناء والتشييد والعمران الحضاري. كما تابع بنفسه كل ما يهم المواطنين فعمل على رعاية الشباب وشجع الرياضات الحديثة والرياضات التراثية، وخاصة الفروسية والهجن، وذلك لارتباطها تاريخيا بماضي شعب الإمارات العريق.
ومع أن المسؤولية وقيودها قد تحجب الطابع الشخصي لعلاقات الشيخ خليفة بمحيطه. إلا أن له صداقات محلية وخارجية ممتدة. كما حرص على التواصل مع الناس سواء من خلال استقبالهم الدائم في مجلسه أو زيارتهم في بيوتهم ومشاركتهم في كافة المناسبات الخاصة والعامة.
كما أن مشاغل الدولة المتعددة والكبيرة لم تؤثر في مستوى اهتمام الشيخ خليفة بالقضايا الأخرى في حياة الإماراتيين. وأهمها بناء واقع اجتماعي جديد يتحلى بمستوى جيد من الخدمات والمرافق. ومن أبرز ما يذكر في هذا المجال المشروع الذي ارتبط باسمه. وهو مشروع خليفة للإسكان أو ما يعرف محليا باسم: لجنة الشيخ خليفة.
ولتشكيل هذه اللجنة قِصّة بدأت عام تسعة وسبعين من القرن الماضي. حيث تراكمت القروض العقارية ذات الفوائد البنكية الباهظة، التي كانت البنوك تتقاضاها من المواطنين لبناء مساكِن لهم أو لبناء مشروعات إسكان استثمارية. فشُكلت لهذا الغرض لجنة برئاسة الشيخ خليفة. قامت بشراء المديونيات وخفَّضت الفوائد التي كانت تصل إلى عشرين في المئة إلى ما يقل عن اثنين في المائة فقط. وهي نسبة تغطي المصاريف الإدارية للقروض لا أكثر.
ومع نجاح هذه الخطوة تحوَّلت لجنة الشيخ خليفة إلى جهة تمويل تقدم قروضا للمواطنين لبناء مساكن أو مشروعات سكنية وتقوم اللجنة باسترداد ما نسبته سبعون في المئة من عوائد تأجيل تلك المساكن فيما يعطى المواطن ما نسبته ثلاثون في المائة كدخل له طوال فترة تسديد القرض الذي يتم استرداده بفترة تتراوح بين عشر إلى خمس عشرة سنة.
وساهم هذا الترتيب لا في التخفيف عن المواطنين وتوفير مصادر دخل لهم، بل في قيام نهضة واسعة جعلت أبو ظبي وغيرها من مدن الدولة مدنا حديثة ذات أبراج عالية تضاهي تلك الموجودة في كثير من دول العالم العريقة.
لقد كان هاجس توفير الحياة الكريمة للمواطن الإماراتي هو ما يشغل بال الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. فتم برعايته في الثالث من يونيو عام ألفين وسبعة، تدشين صندوق خليفة لتطوير المشاريع برأس مالٍ قدره مليارا درهم. بهدف خلق جيل من رواد الأعمال المواطنين وغرس وإثراء ثقافة الاستثمار في أوساط المواطنين. إضافة إلى دعم وبلورة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدولة.
هدف الشيخ خليفة من هذا المشروع إلى تعزيز روح الريادة والمبادرة لدى المواطنين وتعزيز القدرة التنافسية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها على النمو عبر دعم ثقافة الريادة والمبادرة وتشجيع الابتكار والنمو المُستدام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المحلية.
فاقت مآثره الحصْر وامتلأت بأعظم المواقف الإنسانية النبيلة. فكانت جهوده تمثل رافدا ينبع من معين زايد وعطائه الدائم والمستمر لوطنه وشعبه وأُمَّته العربية والإسلامية. وهذا هو سر المكانة الكبيرة للشيخ خليفة في قلوب ونفوس أبناء شعب الإمارات؛ ولدى الإخوة والأصدقاء في الخليج والوطن العربي وفي الدول الإسلامية والعالم بأسره.