رغم أن الوعد بجوائز الصبر من خير وسعادة وفوز بما نريد ذُكِر فى القرآن وفى الأحاديث النبوية ، كما أن كثيرا من الأمثال الشعبية والمأثورات حافلة به.. بل إن هناك محلات ومنتجات عنوانها مستمد من كلمة الصبر أو مشتقاتها.. رغم ذلك نجد أنفسنا ليس لدينا صبر لانتظار شىء ما ولو ثلاث دقائق!
على محطة المترو أو الأتوبيس تزاحم وجرى.. مش لأنك مستعجل أو وراك معاد مهم ، ولكن لأنك مش عاوز حد من المنتظرين معك يسبقك ! كم مرة بحثت عن تخطى دورك فى طابور العيش أو طابور البنك ! للأسف يتساوى سلوكك فى الاستعجال والجرى ومحاولة خطف الفرصة التى لا تعنى بالنسبة لك شيئا سواء كنت واقفا فى طابور لدفع دين أو طابور لأخذ مال يأتيك بعد طول انتظار !..
أما فى الحفلات لو قدر لك أن تحضر حفلة – وجميعها الآن تحضرها وقوفا – وترى المطرب فيها طشاش ومن خلال الشاشات، ومع ذلك لابد أن تذهب قبل الحفلة بأربع أو خمس ساعات حتى تقف فى رابع أو خامس صف وبرضه تبص على الشاشة وليس للمطرب.. المهم أنك فزت بمكان يغيظ كل من حولك.. وخد عندك بقى من طابور المدرسة حتى قعدة الفصل نتصارع فى طفولتنا على المكان فى الصف الأول ، ثم بعدما نشبَّ عن الطوق قليلا فى ثانوى مثلا يبدأ صراعنا على المكان الأخير فى الفصل والطابور بعيدا عن عين المدرسين وحضرة الناظر… أما بقى فى الزواج فنجد البنت عاوزة تتجوز وقد استنزفت كل ما ملكته يد أهلها رغم أن نصف وربما أكثر مما اشترته وعبأته فى حقائب قد لا تستعمله ولا تحتاجه ، لكن المهم أنها تسبق وتشترى وتحوش ملابس وملايات وأطقم خروج وبيتى وماجات وأطباق تكفى خمس عائلات وليس عائلة صغيرة تبدأ أولى خطواتها.
ومن الوقوف فى طابور المدرسة إلى محطة انتظار الأتوبيس أو التقديم لوظيفة أو شقة أو حتى قطعة أرض فى الساحل الشمالى لا يختلف سلوكنا.. المهم من يلحق أولا ويخطف الفرصة قبل من يقفون معه فى نفس الصف.. وليت هذا السلوك فى الجرى والخطف كان أسلوب حياة عامة.. للأسف هذا مرتبط بالسلوك اليومى أو الحياتى التقليدى الذى نعيشه، فمثلا لاعب الكرة الذى كان يخطف من زملائه فرصة الوجود فى أول تختة هو نفسه الذى يجرى بالعافية فى الملعب ونَفًسه يتقطع لو استمر فى المباراة دون وقت ضائع ، كما أن معظم العدًّائين الذين يفوزون فى سباقات الجرى ليس بينهم مصرى.
أحد الشباب وإحدى الشابات سألتهم: ليه واخدين الدنيا كلها جري؟ وليه مستعجلين على كل شىء يخطر على بالكم؟ ردوا بكل هدوء: أنتم اللى علمتونا كده.. مين والدته مقلتش له أوع زميلك يقف قدامك فى الطابور.. أوع تقعد فى الصف التانى.. البليد اللى بيقعد ورا.. وغيرها من النصائح التى تشجع وتنمى أسلوب اخطف واجرى.. لو علمتونا النظام كان زمانا منظمين، ولو علمتونا الانتظار كان زمانا منتظرين.. احنا جيل بنجنى ثمن أفكاركم.
قلت لهم- وقد أخذتنى العزة بالإثم-: هى الحكاية بقت إحنا وأنتم.. طيب إشمعنى ده اللى بتسمعوا فيه كلامنا ، وباقى الكلام لا… عموما فعلا اللى بيقعد فى أول صف فى المدرسة هم الشاطرين.. أمال عاوزين لما المفتش ييجى وساحب فى ايده الناظر ويسأل حيخلو البلداء هم اللى قاعدين قدام ويفضحوا المدرسة والمدرس ! وبعدين فيها إيه لما تسبق اللى جنبك فى الصف أو تحاول تاخد دور قبل دورك.. هو يعنى الكام ساعة اللى جه فيهم اللى قبلك دى مشكلة.. أنت كنت نايم أو مأنتخ على القهوة مستنى تروح فى آخر لحظة.
انتو ليه مش مقدرين نصايحنا وخبرتنا فى الحياة.. ياما انتظرنا دورنا من أول القوى العاملة اللى وظايفها خرجت ولم تعد، وحتى شقق العرايس وشقق المحافظة.. دى حتى العربية الـ 127 وقفنا لها فى طوابير.. مش عاجبكم آبائكم وأمهاتكم ودورهم البطولى فى الانتظار.. تصدقوا بالله إحنا نستاهل.. دلعناكم وبغددناكم.. نت ودخلنا.. واى فاى وعملنا… موبايلات وغيرنا.. وبرضه مفيش فايدة… مصممين إن اللى بينا وبينكم صراع أجيال.. وهو فى النهاية لا صراع أجيال ولا يحزنون.. لأن أنا لو ابنى أو بنتى أو أخويا جمعنا طابور واحد.. أنا هصمم أقف الأول.
بقلم: أماني ضرغام
واقرأ -أيضًا- أدناه: