بعد كارثة سيول جدة بأسبوع كتبت مقالا تحت عنوان «البحث جار عن مسؤول فاسد»، مفاده صعوبة القبض على السيد فاسد الذي يتحدث عنه الناس والصحف بحقد، وحتى كتابة هذه السطور لم أزل أعتقد أن الحديث عن الفساد يكتنفه الكثير من الضباب واللامصداقية والأوهام كالحديث عن المشروع التغريبي أو خفافيش الظلام مثلا.
هل أبرر وجود الفساد؟ ربما.. لست حالما على الدوام ولا أؤمن بالمدينة الفاضلة ولكنني أتحيز للقانون دوما، وأؤمن أن النفس البشرية دونه لها قدر أكبر من المرونة لتقبل الفساد ولتكسبه الشرعية والمنطقية.
بعد الكارثة تفجر بركان من المقالات التي تنتقد الفساد الشرير. الكثير من كتاب الرأي سايروا الموجة، كما يفعل مذيع برنامج ما يطلبه المستمعون، ولو قمت باستبدال كلمة الفساد في تلك المقالات بكلمة الإرهاب أو الكذب أو المعاكسة أو أي مصطلح سيئ لوجدت أن الموضوع لن يختلف كثيرا.
هل يوجد لدينا فساد؟ من يقرأ مظاهر الإحباط والشك على حد سواء سيكتشف الحلقة المفقودة بين محاربة الفساد كثقافة جديدة من جهة ومحاربته عمليا بالقانون والنظام من جهة أخرى، أنا كمواطن عادي جدا لدي طريقة وحيدة لمحاربة الفساد من خلال الثرثرة عن حكايات فساد عام مقتطفة من صحيفة أو موقع إلكتروني أو حديث شخصية مهمة في مجلس.
مرة أخرى بصراحة هل يوجد لدينا فساد؟ الفساد موضوع قيمي ونسبي كالتحرش والعنصرية مثلا، يختلف الأمر باختلاف المجتمع والقيم المشتركة ولكن الدروشة الطيبة والكلمات التوعوية أو الناقمة لا تفلح كثيرا، وفي انتفاء وجود قانون يعرف الفساد ويُجرمه سيستمر الأمر موضوعا اجتماعيا مميزا ومثيرا ومتخما بالشائعات والعموميات.
كنت سأكتب هنا طويلا عن مشروع قانون لمكافحة الفساد يحظى بالاستقلال والتخصصية يقوم عليه ديوان المراقبة العامة بالتعاون مع المباحث الإدارية وإمارات المناطق، وفي ذات الوقت تذكرت عبارة مدرسية شهيرة تقول السؤال نصف الإجابة، أنا أجد أن سؤال المقال يحتوي على السؤال والإجابة معا!.
بقلم: سعيد الوهابي