سُئل أحد الحكماء: هل يوجد جنة على الأرض؟ فأجاب “القلب العامر بالحب والإنسانية والشرف هو جنة الله في الأرض” جنة ينعم بها صاحبها وكل المحيطين به والسؤال هل وجدت جنتك؟ إذا لم تجدها فعليك أن تشاركنا جميعا رحلة البحث عنها في الأرض وفي أنفسنا وفي قلوبنا التي جعلها الله السر في رضائه عنا حيث يقول ﷻ (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
فهذا القلب السليم الخالى من الأنانية والأطماع والأحقاد والقاذورات الإنسانية من استعلاء وتجبر وغطرسة وفساد وظلم ولؤم.
فالسر في الفوز بجنة الدنيا والآخرة هو القلب الذي حاول كثيرون في مصر على مدار عقود طمس دوره وقيمته في أعيننا وضمائرنا التي وضعوا عليها غشاوة من التضليل ببريق الشهرة والثروة والمناصب والأملاك والحياة المرفهة فنسينا أن في السماء رزقنا وما نوعد به في الحياة… الحياة التي تمكنت بكل شهواتها وقبحها من قلوب معظمنا فتحولنا لعبيد لها ولأصحاب العطايا والمنح فيها من أهل الحكم والمال والثروة والذين تصورهم بعضنا بدائل.
رتبوا لعشرات السنين حملات منظمة سياسيا وإعلاميا واجتماعيا ودينيا لتشويه قلوبنا وفطرتنا السوية فتناسينا أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله وكل عمل نقوم به لابد أن يكون وسيلة للتقرب منه.. تناسينا أو أنسونا أن الآخرة خير وأبقى وإذا ما تحدثت مع أحد بهذه المعاني سيسخر منك ويصفك بالدرويش المختل البائس الكسول غير الطموح.
لأنك قررت ألا تكون جزءا من هذه المنظومة المشوهة دينيا وإنسانيا وترفض الركض في سباقات مادية فارغة فما جدوى أن نعمل أي شيء دون أن يكون هدفنا خدمة الغير ومساعدة المجتمع ومساندة المعوذين والمحتاجين فيه.
سأحارب وأدهس الجميع لأترقى في عملي وأكسب الملايين بل والمليارات بأساليب ملتوية غير شريفة لأعيش متسيدا الجميع متحكما – كما يهيئ لي عقلي المريض- في مصائرهم لكن يبقي السؤال إلى متى سأعيش وأين سأذهب في نهاية المطاف وماذا سأقول لله عند اللقاء؟
هل درست الطب لأخدم الناس وأخفف آلامهم وأفيد الإنسانية بعلمي أم لأحصل على عربية وعيادة وفيلا وأسافر لقضاء إجازتي بالخارج؟ هل أدرس للطلبة لأصبح مليونيرا من الدروس الخصوصية وبيع الكتب والملازم أم أني معلم وعالم في مادتي ووريث للأنبياء رسالتي نشر العلم الحقيقي الذي يمكث في الأرض وينفع الناس.
هل أنا صحفي أو إعلامي لأكون صوتا للمظلومين والمحتاجين وخصما للفسدة الطغاة أم أنا قلم وصوت يؤجر لمن يدفع أكثر هل أنا موظف لتيسير قضاء حوائج الناس أم لص للأموال منهم عن طريق الرشاوى والأدراج المفتوحة.. هل أنا فلاح بعثني الله لعمار الأرض وإخراج خيراتها أم شيطان أهلك أهلي بالمبيدات المسرطنة والري بمياه الصرف؟ هل أنا شرطي لتنفيذ العدل وحماية الناس أم سيف مسلط على رقابهم لخدمة أولي الأمر؟ هل أنا عالم دين اجتهد لغرس بذور الدين الحقيقية في النفوس بلا غرض إلا الدعوة لله أم تاجر دين أجوب ببضاعتي على أبواب الحكام لأفصلها لهم وفقا لأهوائهم.
علينا جميعا في كل الأماكن والمهن والأعمار أن نتساءل عن دورنا الحقيقي في الحياة وليس الدور الذي رسمه البعض لنا وتم توريطنا فيه لنعيش في نار من الجشع وعدم الرضا والتناحر نلتهم فيها بعضنا البعض.. اسودت قلوب المصريين بعد أن
استعبدنا النمط الاستهلاكي وأصبح التكالب على المكاسب هو سر حركتنا والأسوأ أننا صرنا نبث أفكارنا الخبيثة في الأجيال الجديدة.. عميت قلوب معظمنا وأصبحنا لا نفرق بين الكسب الحلال والحرام.
مجتمع بهذه الصورة هو قطعة من النار بعد أن قرر أهله إفناء بعضهم رغم أن النهاية المحتومة لا مهرب منها وهناك سيكون في انتظارنا جحيم آخر إذ لم نستفق ونعود للتمسك بأبسط قواعد الإسلام الذي نتشدق بالانتماء إليه ونحن أبعد ما نكون عنه.. ابحثوا عن جنتكم قبل فوات الأوان وهي في حب الله وطاعته فالله موجود في حياتنا بقدر محبتنا له وإحساننا لبعضنا البعض ولنتذكر جميعا ونحن نسعى في أرض الله ماذا أخذ منها من سبقونا للقائه وبماذا وعد الله المحسنين حين قال ﷻ (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
بقلم: الهام رحيم