ضمني مع أصدقاء مجلس بدأ بمقولة المتنبي: «وخير جليس في الزمان كتاب»، ولم ينته بمقولات يرددها طلاب مادة التعبير منذ الصف الرابع الابتدائي وحتى مماتهم عن الكتاب الصديق الصدوق الذي لا يمل منك ولا يهجرك، حتى إن بعضهم أوشك أن يقول: «والكتاب سفينة الصحراء الذي لا يشعر بالجوع والعطش!».
لست ضد الكتاب، فأنا لا أنسى الوقت إلا بين أرفف الكتب في المكتبات، وفي أروقة معارض الكتب. إلا أنني، أخيرا، زهدت في شراء الكتب مكتفيا ببهجة تأمل أغلفتها وتصفح محتوياتها فحسب، ذلك أنني بدأت أشعر بأن الكتاب الورقي عائق كبير أمامي حين يتعلق الأمر بمكتبة ورقية ضخمة تحتاج إلى التنظيف بشكل مستمر حتى لا يبتلعها الغبار، فضلا عن الحيز الذي تشغله في المنزل، إضافة إلى أنني أعي تماما أن أبنائي لن يجهدوا أنفسهم في البحث بين هذا الركام الورقي المتكدس وقد عرفوا طرقا مختصرة إلى المكتبات الإلكترونية التي يسهل الوصول فيها إلى المعرفة، كما يسهل عليهم أرشفتها دون أي جهد يذكر قياسا إلى المكتبة الورقية.
ما أجده، بشكل شخصي، حين أتناول بعض الكتب من أرفف مكتبتي لا يتجاوز الشعور بالحنين، فلكل كتاب قصة، ولكل غلاف أهدي إلي مذاقه الخاص، ولكل عنوان طلبته لفترة من الزمن حكاية تتراوح بين مراسلة أصدقاء في مدن أخرى وفي بلدان عدة للبحث عنه وإرساله إلي وبين إخفاء متقن داخل طيات ملابسي للمرور به من مطارات كانت إلى وقت قريب تشعر بالرعب لمجرد رؤية كتاب.
لم تعد مكتبتي الورقية تعني لي أكثر من هذا. أما في مقابل ذلك فإنني أشعر بأن كتب الـ PDF هي المستقبل، فزمن الآيباد قد حل ليدعم التصفح الإلكتروني، فأصبح من السهل الحصول على الكتاب الإلكتروني من خلال الشبكة العنكبوتية، كما يمكن لك أن تتلقى نسخا إلكترونية لا تمر بالمطارات ولا يتلصص عليها موظف بريد.
إلى غير ذلك من الميزات التي لن يكون أولها سهولة تصفح أي كتاب تريده في أي مكان وزمان، ولن يكون آخرها حمل عدد يتجاوز أضعاف عدد كتبك الورقية في جيبك. فذاكرة إلكترونية صغيرة يمكنها أن تكون أمينة على آلاف العناوين دون الحاجة إلى تنظيفها بشكل مستمر أو حتى إلى أساليب تغليف مناسبة للانتقال بها من مكان إلى مكان.
رحم الله الكتاب الورقي الذي إن لم يكن زمنه قد ولى فإنه يوشك.
بقلم: حامد بن عقيل