الإخوة والأخوات، ما بَرِحَ المسلم يسأل: هل الحسد يسبب الموت ويقتل المحسود؟ أو حتى يتسَبَّب في مرض المعيون وأذيَّته؟ هنا نحن نجمع لك فيضًا من العِلم النَّافِع في هذا الشأن والخصوص، ونسترسل في ذِكر أقوال العلماء حول العين والحسد وما قد تُسببه من أضرار على الناس.
وقد قسَّمنا المقال إلى فقراتٍ لكي يتسنَّى لنا تقديم الأمر بشكل مُبسَّط ومفهوم وسهل الإدراك؛ بعيدًا عن صَخَب الأقوال الكثيرة في موضوع كبير كهذا.
ذم الحسد والتباغُض
الحسد والتباغض، هذان الأمران ذمهما الشرع، فجاء بكتاب الله -سبحانه وتعالى- ذم الحسد وذم أهله، واقرأ في سورة النساء قوله -تعالى- ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.
وأمرنا الله -جل وعلا- أن نستعين بالله من شر الحاسِد. فقال -تعالى- ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
وهناك أحاديث عن الحسد تبين مدى خطورته؛ واقرأ هنا قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حين حذرنا من الحسد والتباغض؛ فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانا». وكأنه ينبه -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- إلى أن الأخوة في الله تقتضي من صاحبها أن يبتعد عن هذه المحظورات التي تنافي الأخوَّة بل يجب على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويجب أن يحب إخوانه المسلمين.
أنواع الحسد
ومن هنا حريٌّ بنا أن نُبيِّن أنَّ الحسد ثلاثة أنواع.
١. َشرّ هذه الأنواع أن يتمنى المرء زوال النعمة عن غيره فقط، وهذا لا يكون إلا من نفسٍ شريرة والعياذ بالله، نفسٌ لا تحب الخير للغير.
٢. والنوع الثاني وهو أن يتمنى زوال النعمة عن الغير وأن تكون فيه هو. وهذا أيضًا مذموم، لأن المُعطي والرزاق هو الله -سبحانه وتعالى-. فلا يجوز للإنسان أن يتمنى زوال النعمة عن أخيه المسلم.
٣. النوع الثالث وهو نوعٌ جائز، ويسمى: الغبطة. وهو أنه لا يتمنَّى زوال النعمة عن الغير، بل يسأل الله أن يعطيه من النِّعَم مثل ما أعطى فلان، ولا يتمنى زوال تلك النعمة من أخيه هذا.
والغبطة تكون فيمن استعمل هذه النعم في طاعة الله -جل وعلا-. فيقول -صلى الله عليه وسلم- «لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل».
هذان الأمران هما اللذان يستحق الأمر أن نتمناها، لكن لا نتمنى زوالها عن غيرنا.
هل الحسد يسبب المرض؟
العين حق كما قال -صلى الله عليه وسلم- أن العين حق، والحسد يحصل ويُمرِض صاحبه المعيون. وقد مرَّ عامر بن ربيعة مرة على سهل بن حنيف -رضي الله عنهما- وكان سهل بن حنيف يغتسل، وكان مستترًا خلف صخرة؛ وكأنه بدا جنبه. فقال عامر بن ربيعة -من غير قصد-: فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة.
وهذا تنبيه أنه قد يحصل أن الإنسان يحسد ابنه أو بنته أو زوجه أو يحسد نفسه إذا لم يذكر الله -سبحانه وتعالى-.
يعني من بياض جلده وجماله يقول أنه أفضل من جلد المرأة المختبئة في بيت أهلها والتي لا تؤذيها الشمس.
يقول الراوي [فلبط]: أي صرع وسقط إلى الأرض. فأتوا به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «من تتهمون»؟ قالوا: فلان قال كذا وكذا. فقال -صلى الله عليه وسلم- «علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة».
وأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتوضأ، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصبها على قفا المعيون وغسله به؛ فقام وكأنما نشط من عقال.
هل الحسد يسبب الموت؟
وعن السؤال الصَّعْب، يشغل بال الكثيرين مِمَّن سقطوا في هذا الكهف المُظلِم؛ والذين يرجون الاطلاع على أضرار الحسد وما قد يُصيب المسلم جرَّاء العين..
هل الحسد يسبب الموت ويقتل المحسود؟ وهنا -بجانب الحديث السابق ذِكره «علام يقتل أحدكم أخاه»- نُذَكِّر بحديث آخر للنبي -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- ورد في صحيح الجامع، يقول فيه «أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله و قدره بالعين».
وإحقاقًا للحق فالحديث حسن. لكِن بعض أهل العلم قالوا أن هذا الحديث لا يصِح.
فضلا عن حديث حسن معنا هنا أيضًا للاستشهاد، وهو ما روي عن جابر بن عبدالله وأبو ذر، في صحيح الجامع، يقول النبي ﷺ «العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر». لكِن -على غِرار السابِق- أنه ضعيف الإسناد.
لكِن، ومع كثرة الدلائِل، فإن فريقًا من أهل العلم بالفعل قالوا بأن الحسد يسبب الموت وقد يقتل المحسود. فعلينا بالانتباه جيدًا لهذا الأمر وكثرة ذِكر الله -تعالى- والاطلاع على آيات وأدعية الرقية من العين (الرقية الشرعية).
علاج الحسد
أن نعرف الحاسد وناخذ من أثره هي أسرع طريقة لعلاج الحسد.
وهناك طريقة ثانية لعلاج الحسد، وقد تطول. وهي الرقية الشرعية. فإذا لم نعرِف الحاسد، فنسلك طريق الرقية الشرعية.
وفي حال أن عُرِف أن الحاسِد هو واحد من مجموعة، ولكن لم يعرف ولا استطاع أن يُحَدِّد بالضبط من هو؛ فنقول لا بأس للإنسان إن يأتي للضيوف في ذلك اليوم -مثلا- ويقول لهم: اغسلوا، لقد مرض ابني بعد تلك الوليمة، وقد يكون أحدكم أصاب ابني بعين وهو لا يشعر، فأرجو منكم أن تغسلوا وتتوضَّأوا حتى أغسل به المريض.
قال -صلى الله عليه وسلم- «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا».
فلا يجوز وقتها أن يقول الإنسان: لا، أنا ما أغسل، ولا أحسد وأنت تظن فيّ ظن السوء… وغيرها من هذه العبارات والكلمات.
ومن هنا؛ وبعد أن أطنبنا في الحديث عن هذه الآفات البشعة، ثم واصلنا الحديث محاولين الإجابة عن سؤال: هل الحسد يسبب الموت ويقتل المحسود؟ نقول أن الحسد مرض في المجتمعات، يجب علاجه، يجب التحذير منه، ويجب محاربته؛ وله علاجات وطرق.