من المؤسف جدا أن مجتمعاتنا بعيدة بمسافات عن السنة النبوية وقضاياها، ونادرا ما نجد من يبحث عن خطوات النبي ويقتفي أثره بنية الاقتداء به والسير على دربه، عليه أفضل الصلاة واتم التسليم، ولكن من بين القضايا الهامة التي أتمنى بصدق وبقوة أن يعيها رجال الأمة وشبابها المقبل على الحياة، قضية التعامل مع المرأة وتحديدا الزوجة من منطلق المنهج النبوي الشريف، وددت لو يقتطع الأزواج والشباب الذين لم يدخلوا بعد معترك الحياة الزوجية بضع ساعات من دراسة سيرة الحبيبي المصطفى –صلى الله عليه وسلم- ليتعرفوا على فقه التعامل مع الزوجة، وليطلعوا على رحمة النبي مع زوجاته وكيف كان يعالج غيرتهن ويتعامل مع غضبهن وثورتهن، ليتعلمو كيف يحسنون ترويض الزوجات وتطويعهن، وليتعلمو كيف يحتوون ضعفهن كما كان يفعل معلم البشرية قاطبة، وهنا سوف نسوق بعض من المواقف التي استوقفتني في سياسة النبي مع زوجاته، والتي تنطوي على طائفة من المعاني الإنسانية والنفسية الراقية والتي لو أحسن الأزواج الاقتداء بها لصلح حال البيوت وقويت أواصر المودة.
كيف عالج النبي –صلى الله عليه وسلم- غيرة زوجاته
الغيرة بعض من طباع النساء ونادرا ما تنفك تلك الصفة عن المرأة، ومن ثم فإن زوجات النبي على رفعة قدرهن وكرم خلقهن وشرفن الذي لا يطاوله شرف، لم يكن استثناء من تلك القاعدة، وربما قدر الله ذلك لكي يعلمنا نحن كيف يكون التعامل مع الغيرة، فقد كانت تنتابهن لحظات من الغيرة الشديدة على النبي صلى الله عليه وسلم – وكل منهن تتمنى لو استطاعت أن تستأثر بحب النبي واهتمامه دون الأخريات، وقد كان من أشد نساء النبي عليه السلام غيرة عليه، سيدتنا عائشة بنت أبي بكر –رضي الله عنها وعن أبيها- وهنا سنذكر طرفا من المواقف التي ظهرت فيها غيرة السيدة عائشة -رضي الله عنها- على النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت تفقد السيطرة على مشاعرها وتخضع لقوانين الأنوثة.
كانت السيدة عائشة تغار من حب النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنهما، فقد كان النبي كثير الثناء عليها ودائم الذكر لها، وبلغ من حبه لها وبره بسيرتها وذكراها أنه كان يبر صويحباتها برا لها، وكلما رات السيدة عائشة ذلك ثارت ثائرتها واشتدت غيرتها، فما كان من النبي إلا أنه في كل مرة يذكر فضل السيدة خديجة ووقوفها بجانبه، ومساندتها له يوم تخلى عنه أقرب الناس، حتى تقتنع السيدة عائشة وتشعر بالذنب تجاهها، ولم تذكر كتب السيرة أنه نهرها ذات مرة أو زجرها بالقول أو الفعل أو قسي عليها أو حتى أنكر عليها غيرتها.
ومن المواقف التي تلقن درسا إنسانيا للعالم بأسره موقف النبي من عائشة إثر حادثة أظهرت غيرتها وغضبها، حيث تحكي كتب السيرة أن النبي ذات يوم دعا بعض الضيوف لتناول الطعام في بيت عائشة، فعلمت بذلك السيدة حفصة –رضي الله عنها- فما كان منها إلا أن أعدت صفحة عليها ثريد وضلع شاه ليتناولها النبي مع ضيوفه، فلما رأت عائشة رضي الله عنها ذلك ثارت جدا وغضبت لدرجة أنها ألقت الصفحة من يد الخادمة حتى سقطت على الأرض وانكسرت وتناثر ما فيها من الطعام، كل هذ ا حدث في وجود النبي وضيوفه فما كان منه –صلى الله عليه وسلم- إلا أن قال ملتمسا العذر لهذا التصرف: غارت أمكم .. غارت أمكم! ولم يزجرها أو يضربها أو يعاقها.. بل تفهم غيرتها واستوعب ضعفها في هذه اللحظة، ووالله لو حدث مثل هذا الموقف مع رجل من رجال المسلمين اليوم لكان سببا وجيها للطلاق وإنهاء الحياة الزوجية بكل ما فيها! فسبحان الله!
كيف كان النبي يداعب زوجاته ويُسري عنهن
كلما ذكر أن النبي صلى الله على وسلم كان يداعب زوجاته ويمازحنه مر بالخاطر مباشرة قصة سباقه مع عائشة، وكيف أنها سبقته مرة وسبقها مرة وقال لها المقولة الشهيرة، هذه بتلك! ولكن ما استوقفني هذه المرة وأنا أقرأ ذلك الموقف للمرة العشرون أو أكثر هو توقيت هذه القصة، فقد قرأت أن النبي كان خارجا في غزوة!
يا الله! لم يكن النبي يفعل ذلك عن فراغ وقلة انشغال أو كتضييع للوقت، بل فعله وهو مقبل على أيام عصيبة أيام غزو وحرب وقتال، فبرغم أنه كان يحمل هم الأمة بأسرها وكان يحمل عبء تبليغ الرسالة ونشر الدعوة، وبرغم شدة ما ينتظره من أحداث جثام، لم ينس أو يغفل عن تسلية زوجته وممازحتها!
ما أعظمها من رسالة لكل الرجال الذين يرفعون شعار الانشغال طوال العام، والذين يتعاملون مع زوجاتهم وكأنهم سيفتحون العالم، اتقو الله في زوجاتكم وتعلموا كيف تكون المودة بين الأزواج.