إن للمعلم قيمة كبيرة في المجتمع، لما يغرسه في نفوس الأفراد من النبتات الصالحة التي ترشد الإنسان إلى الطرق القويمة، والتي تؤدي بدورها إلى تقدم المجتمع ورقيه وبناء الحضارات، لذلك لا يمكن إنكار دور المعلم في تربية الأبناء وصناعة الأجيال، وما توصل إليه العصر الحالي من التطور في بعض الأمور والتقدم؛ فدائمًا وراء كل عالم أو طبيب أو مهندس، معلمٌ أخذ بيده وصار قدوته ووجهه إلى الدرب السليم، وكان معاونه في سائر أموره مما حببه في تلقي العلم والاستزادة منه، والوصل إلى الهدف المرجو منه.
المعلم أو الأستاذ ليس فقط ذلك الشخص الذي يقوم بدوره في المدرسة في تعليم الطلبة مناهجهم، وتحفيظها لهم، بل هو ذلك الشخص المؤثر في حياة الأفراد، بخاصة الشباب والأطفال، من نواحي شتى، بعلمٍ قد تلقاه في أمر من أمور الحياة: في العلوم الدينية، في العلوم الكيميائية، في العلوم الفيزيائية… وغيرها من العلوم، ولم يقتصر دوره على تلقين الطلبة، بل سعى بكل ما يملك من جهد أن يصل بهم إلى مرتبة الفهم الصحيح لكل ما هو حول ذلك العلم الجليل، فخرجوا من تحت يديه في نهاية الأمر وقد نالوا منه العلم الكثير، واتخذوه قدوتهم في الحياة، وساروا على نهجه في فهم سائر أمور الحياة، والنجاح فيها.
وفي هذا المقال بعض مما يمكن أن يعلمه الأستاذ لأبنائه من الطلاب أو المريدين، منها أوضح الطرق الصحيحة التي يجب أن يسلكها الإنسان في الحياة حتى ينعم فيها بشرف العيش، ومنها أوضح ما يجب على الأستاذ أن يقوم به من أجل طلابه أو مريديه حتى يصير لهم القدوة المرجوة، ويدوم عمله حتى بعد ذهابه، ويؤدي بذلك رسالته على الوجه الأمثل والأكمل.
علمني أستاذي الالتزام في عباداتي
إن الأستاذ له دور واضح في إرشاد طلابه أو مريديه إلى العبادات التي فرضها الله “سبحانه وتعالى” وما قاله الرسول “صلى الله عليه وسلم”، ويكون الأستاذ سببًا في تمسك طلابه بالشريعة الإسلامية قولًا وفعلًا، وألا يحيدوا أبدًا عن الطريق المستقيم.
يجب على الأستاذ أن يربي أبناءه على أن الصلاة هي ملاذ الإنسان، ومقربة بين العبد وربه، يلجأ إليه، ويسمي له حاجاته، فيرزقه الله أضعاف ما أمله الإنسان.
والأستاذ بدوره يجب أن يُدخل في قلوب مريديه وطلابه البهجة والحلاوة التي يمكن أن يستشعرها الإنسان في قربه من الله “سبحانه وتعالى” بتأدية العبادات المعروفة، وفعل المعروف، والبعد عن المنكر، ويوضح لهم ما للدين من أثر في تقدم الحضارات على الأخلاق الكريمة والمعتقدات السليمة.
ويبدأ في توضيح طرق عملية لطلابه في الالتزام والتمسك بالعبادة، بأن يكون إمامهم في الصلاة، وتكون عنده الإجابة الشافية عند سؤاله في شيء من أمور الدين، وتكون إجاباته مرضية جميلة تصيب قلب الطالب فيزداد تمسكه بالدين الجليل.
علمني أستاذي الالتزام في تحصيل العلم
إن للعلم أهمية كبيرة جدًا في تطور الأمم وبناء الحضارات، وكم من أناس صار اسمهم خالدًا في العالم، لما أضافوه للأمة من العلوم الجميلة التي ساعدت في رقيها، وبناء حضارتها.
وتحصيل العلم له أهمية كبيرة تعود على المجتمع بما ينفعه، بداية من أفراده وصولًا إلى المجتمع كله، وتحصيل العلم يحتاج إلى مجهود كبير، والتزام دائم في تحصيله، وحب شديد له يجعل الإنسان لا يفارقه، وهنا تنبع أهمية الأستاذ.
فالأستاذ يدفع طلابه دائمًا إلى السؤال عن ماهيّة كل شيء، ويدفعهم إلى البحث عن إجابات لأسئلتهم حول العلم، فيكنزون في عقولهم أضعاف ما يجب أن يتعلموه، ويفيدون به الأمة والمجتمع.
وبطريقة المناقشة والحوار والبحث يستطيع الأستاذ أن يزرع في نفوس طلابه حُب الالتزام في تحصيل العلم وطلبه دائمًا، مما يعود عليهم وعلى الحضارة بالنفع والتطور؛ فالنبتة الأولى للعلم هو أستاذ يعلمنا كيف نتعلم.
الالتزام بالأخلاق
إن الأخلاق هي زاد الإنسان في الدنيا حتى يستطيع العيش مع الآخرين، ممن يختلفون عنه في كثير من الأمور: المعتقدية أو الفكرية أو الجنسية أو في اللون أو الشكل أو أي اختلاف آخر.
والأخلاق هي زاده في التعامل عما يحيط به من المرافق العامة والطرقات والكائنات الحية التي تشاركه الوجود على هذا الكوكب الجميل.
والأخلاق هي زاده في التعامل مع نفسه ومع الأقربين إليه من أهله وأقاربه.
وإن تمام الأخلاق عند المسلمين كان من اختصاص الرسول “صلى الله عليه وسلم”؛ فقد علم “صلى الله عليه وسلم” المسلمين الأخلاق الكريمة، والرحمة في القلوب ونبذ فيهم العصبية والغلظة، فاستطاع الرسول “صلى الله عليه وسلم” بتوجيهات الله له أن يبني الأمة الإسلامية بما وصلت إليه في عهدها الأول، من القوة والعزة والعدل والسماحة والمساواة.. وغيرها من الأمور الأخلاقية على مستوى الفرد، والمجتمع كله.
والمعلم أو الأستاذ له دور كبير في غرس الأخلاق الكبيرة في نفوس طلابه؛ فيعلمهم الحكمة ويغرسها فيهم، ويضيء الرحمة في قلوبهم تجاه الضعفاء، والالتزام تجاه المسئولية، والبر تجاه الوالدين، وصلة الرحم تجاه الأقارب، والمعاملة الحسنة مع الآخرين، واحترام معتقدات الغير وتفكيرهم، والنقد البناء الذي يساعد في الإبداع والتقدم، لا في الهدم والتأخر.
للمعلم دور كبير في تربية النشئ على الأخلاق الكريمة، والكلمات الطيبة على ألسنتهم، فلا يجرحون، ولا يهينون، ولا يستعلون، ولا يتكبرون، ويصير بذلك قدوتهم في تعاملهم مع غيرهم أو مع أنفسهم، فيفعلون مثل ما يفعل، ويتخذون من أخلاقه نبراسًا لهم.
علمني أستاذي معرفة نفسي وتحديد هدفي
إن العصر الحالي، بما فيه من التطور والرقي الذي توصل إليه في بعض جوانبه، أصبح سريعًا جدًا، يحتاج الإنسان أن يواكبه ويحرص على عمره ألا يضيع في وسط كل تلك الأمور السهلة التي نعيش فيها، والتي أصبحت كذلك بفضل التكنولوجيا المتطورة؛ ولا نغفل أن التكنولوجيا على براعة صناعتها، إلا أنها ولدت فينا الكسل، وعدم الميل إلى العمل، فيصحو الإنسان بغتة وقد ضاع عمره دون أن يفعل شيء، يفيده أو يفيد أمته.
لذلك من أهم المهارات التي يجب أن يكتسبها الإنسان في الحياة الجديدة أن يعرف نفسه جيدًا، ويتعرف على طموحاته وأهدافه وشغفه، وأن يكون صريحًا مع نفسه فيها، وأن يبدأ في تنفيذها فورًا.
والأستاذ له دور كبير في ذلك الجانب، فإنه يجب ألا يترك طالبه أو مريده يسبح مع تيار الحياة، يهتدي أو يضيع، بل يجب أن يضع له الخطوات في طريق معرفة نفسه، أن يشجعه ليفعل ما يحبه، وينمي فيه الموهبة الدفينة، ويوقظ فيه الحلم والطموح الخفي، حتى يستطيع طالبه أن يفهم نفسه جيدًا.
ومن ثم يعلمه كيف يحدد هدفه جيدًا ويبدأ في تنفيذ أول خطوة في طريق تنفيذ الهدف، وإذا سارت الأمة كلها على هذا النهج، تطورت وصار لها قوة ومنعة ضد أي أحد.
إن المعلم أو الأستاذ حين يطأ بقدميه داخل هذه المسئولية الجليلة، يكون حاملًا رسالة قوية يجب أن يؤديها على أكمل وجه، وأن يحب هذه الرسالة الجليلة حتى يؤديها كما يجب أن يكون.
ولكي يفعل الأستاذ ذلك لابد أن يلاقي ثمرة تعبه، وأن يحظى بالتقدير المناسب من كل طبقات المجتمع، فلا يكونون ضده، بل يشجعونه ويدفعونه تجاه تأدية هذه المسئولية الجليلة بحب وشغف كبير.