تلعب الهرمونات داخل جسم الإنسان دوراً كبيراً في طريقة تفكيره وبالتالي سلوكياته وعلاقته مع الآخرين.
من أهم هذه الهرمونات التي لها علاقة بتغير مزاجنا وسلوكيتنا وعلاقتنا بالغير هو هرمون الأوكستوتسين أو هرمون الحب، وهو هرمون يُفرز من الجسم بصورة طبيعية خاصةً عند التواصل الجسدي أو الجنسي بين الأشخاص، لذلك فإن القُبلات والأحضان والعناق بين الأشخاص بشكل عام والزوجين بشكل خاص يساعد على زيادة الألفة والمودة والترابط بينهما بشكل كبير.
ما هو هرمون الأوكستوتسين؟
يرى الدكتور يمان التل ” استشاري طب جراحة الكُلى والمسالك البولية ” أنه في عالم الطب الجنسي يوجد مسمى لكيمياء الحب الذي يتحكم فيه هرمونات مختلفة من بينها هرمون الأوكستوتسين، وهو عبارة عن هرمون يتم إفرازه من منطقة المهاد في الدماغ ويُخزَّن في الغدة النخامية ومنها ينتقل إلى باقي الجسم.
يكمن الدور الرئيسي هذا الهرمون في الجسم عند السيدات خلال فترة الحمل حيث أنه:
- يُعد هذا الهرمون هو المسئول عن انقباضات الرحم خلال فترة المخاض.
- له دور بارز في إفراز الحليب عند الأم المرضعة.
مضيفاً: لهذا الهرمون دور مهم كذلك عند الرجال ” طبقاً لما أشارت إليه عدة دراسات ” في:
- له علاقة وثيقة في إنتاج الحيوانات المنوية عند الرجال.
- له دور مهم في قدرة الرجل الجنسية وحدوث الانتصاب وتوسيع الأوعية الدموية.
على الرغم من ذلك، ليس لهرمون الأوكستوتسين دور وظيفي واضح خارج الدماغ، ولكن يبدو أن له مؤشرات في الإنجاب وإنتاج الحيوانات المنوية عند الرجل.
ما الفرق بين هرمون الدوكمين والأوكستوتسين؟
يُعد الدوكمين عبارة عن هرمون جريء يعمل على تحفيز الجسم نحو المخاطر التي بها نوع من الإثارة.
أما هرمون الأوكستوتسين فهو على النقيض، لأنه يُعد بمثابة الهرمون الهادئ أو الخجول الذي يعمل على خلق أُلفة بين الرجل والمرأة، ومن ثم فهو بمثابة الرواء والاستقرار داخل الأسرة الواحدة، كما أنه الهرمون المسئول عن ما يسمى بالثبات النفسي والثقة في النفس وتعابير الوجه الإيجابية خاصةً عندما يكون الإنسان موجود بين أشخاص آخرين.
إن هرمون الأوكستوتسين عبارة عن مادة كيميائية يتم فرزها لتنتقل عبر الدم، كما أن هذا الهرمون عبارة عن ناقل عصبي يمكن للخلايا العصبية التواصل فيما بينها عبر هذا الهرمون، ووُجد أنه في الدماغ وخلال العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة يتم إفراز كمية كبيرة من الأوكستوتسين والدوكمين في نفس الوقت، ولكن هرمون الأوكستوتسين هو الهرمون المسئول عن الألفة وبرمجتنا في الحياة بحيث يُمَكِّننا التعلق بالشخص الذي نقيم معه علاقة حميمة أو غيرها من العلاقات، لذلك فإن هناك احدى الدراسات التي أشارت إلى أن الأزواج في مراحلهم الأولى من الزواج يصبح لديهم مستوى مرتفع من هذا الهرمون خاصةً عند السيدات، وفي حالة ارتفاع هذا الهرمون عن حده الطبيعي يتسبب ذلك في حالة نسميها بالسُّكر العاطفي أو الحب الأعمى الذي فيه لا يستطيع الإنسان أن يرى عيوب شريكه لمدة ٦ أشهر أو أكثر قليلاً، وبعد هذه الفترة ينخفض هذا الهرمون قليلاً بين الأزواج، لذلك فإننا نحاول دوماً تشجيع الأزواج على محاولة زيادة إفرازه بشكل مستمر وبالطرق الطبيعية.
طرق زيادة تحفيز هرمون الأوكستوتسين في الجسم
هناك طرق عدة طبيعية يمكن بها زيادة إفراز هرمون الأوكستوتسين في الجسم من بينها التواصل الجسدي بين الأزواج، وذلك يعني أن المصافحة نفسها يمكنها أن تزيد من إفراز هرمون الأوكستوتسين، فضلاً عن العناق الذي يعمل على تهدئة الحالة النفسية للإنسان ويزيد من الثقة بالنفس، لذلك يجب على الأزواج ضرورة الحفاظ على التواصل الجسدي المستمر، وهذا لا نعني به التواصل الجسدي الجنسي فحسب وإنما نعني به مسك الأيدي أو العناق والقُبلات بينهما ومثل هذه الأمور الأخرى التي تعمل على زيادة إفراز هرمون الأوكستوتسين في الجسم، وهنا يجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الأبحاث التي أشارت إلى ضرورة وصول هذه القُبلات والأحضان بين الأزواج حتى ٨ مرات يومياً حتى يحافظ بها الإنسان على مستوى ثقة عالي بنفسه فضلاً عن دورها في تقليل نسبة انتهاء العلاقة الزوجية والحميمية بشكل خاص بين الزوجين، أو تقليل مستوى فرصة هجر الشريك لشريكه إن صح التعبير.
إلى جانب ذلك، عندما يتعرض الزوجين إلى مشكلة في علاقتهما الحميمية فإنهما يُمنعان من إقامة علاقة كاملة بسبب وجود هرمون الدوكمين الذي يعمل في هذه الحالة على عدم نجاح تلك العلاقة بنسبة كبيرة بين الزوجين، بينما يُنصح لهؤلاء الزوجين في هذه الحالة بالحفاظ على العلاقة الجسدية والترابط الجسدي بينهما دون إقامة علاقة جنسية كاملة بحيث يقوم هرمون الأوكستوتسين بتهدئة المشاكل التي نتجت بينهما، وحينئذ يمكنهما إقامة علاقة حميمية سوياً دون أي مشاكل، ويُبدي الزوجين استعدادهما لبدء مرحلة جديدة في علاج مشكلة إقامة علاقة جنسية كاملة بينهما.
هل يختلف إفراز هرمون الأوكستوتسين في المراحل العمرية المختلفة؟
لا يوجد هنالك معلومة طبية واضحة عن درجة إفراز هرمون الأوكستوتسين في المراحل العمرية المختلفة للإنسان سواء للرجل أو للمرأة، ولكنه في نفس الوقت يوجد هذا الهرمون بشكل واضح عند الأطفال، حيث أن هناك بعض الدراسات التي أجريت على أطفال التوحد والتي أثبتت أن هذا الهرمون موجود عند هؤلاء الأطفال وقد يساعدهم على تحسين مستوى تفاعلهم الاجتماعي واستقرارهم الدوائي، ولا يُعطى هذا الهرمون كدواء للإنسان وإنما يمكن أخذه في صورة بخاخة عبر الأنف، وعلى الرغم من ذلك لا تشير أي دراسة بأن إعطاؤه عبر الأنف يعطينا أثر إيجابي مشابه للأثر الطبيعي لهذا الهرمون.
تابع ” التل “: يُستخدم هرمون الأوكستوتسين عند الولادة عن طريق الأنف لتسريع عملية ما بعد الولادة، ولكنه يُعطى بتركيز بسيط حتى يصبح كناقل عصبي لتخفيف انقباضات الرحم عند المرأة، ولكن لم يُثبت حتى الآن فعاليته بالدرجة المطلوبة، ومن ثم فإن المسئول الأول عن إفراز هذا الهرمون هو سلوكيات الشخص نفسه فضلاً عن التفاعل الجسدي بين الذكر والأنثى ليترك نوع من الطبعة في دماغ الشخص الذي تم معه إقامة علاقة جسدية حميمية أو غير ذلك.
هل يمكن لهرمون الأوكستوتسين أن يتواجد عند غير المرتبطين؟
لا يعتمد إفراز هرمون الأوكستوتسين في الجسم على ضرورة وجود علاقة حميمة أو تفاعل جسدي بين الطرفين فحسب، وإنما يمكن أن يُفرز هذا الهرمون من جسم الإنسان نتيجة شعوره ببعض المودة والألفة مع أبنائه أو إخوانه على سبيل المثال، لذلك يمكننا القول بأن هرمون الأوكستوتسين يُفرز نتيجة التلاقي الجسدي بين أي شخصين وليس الزوجين فحسب كما يتوهم البعض، ومن ثم فإن عبطة الأم واحتضانها لابنها يساعد في إفراز هرمون الحب أو هرمون الأوكستوتسين كما يتسبب في شعور كليهما بالدفء والمودة بينهما، كما يمكن توظيف هذا الهرمون بشكل أساسي لنجاح العلاقة الحميمة بين الأزواج.
لهذا الهرمون كذلك دوره في نجاح العلاقة الأحادية للشريك، بمعنى أن الشريك لابد من أن يكون له شريك واحد فقط حتى يُفرز هذا الهرمون بصورة طبيعية، لذلك فإن الدراسة التي أجريت على أحد فئران التجارب الذي تم وضعه مع شريك واحد فقط أثبتت أن هذا الفأر يتمتع بوجود نسبة عالية من هرمون الأوكستوتسين، وفي حال توقيف هذا الهرمون فإن هذه العلاقة تنتهي كلياً.
فضلاً عن ذلك، للأم المرضعة علاقتها الفريدة مع شريكها، وفي حالة عدم وجود علاقة جيدة بين الأم ورضيعها في أولى فترات عمره فإن الأم يجب أن تتحصل على هرمون الأوكستوتسين حتى يمكنها إقامة علاقة قائمة على الود والعطف بينها وبين طفلها الرضيع، لذلك فإن الرضاعة الطبيعية تقلل من اكتئاب ما بعد الولادة للأم وذلك لأن تحفيز الثدي عند الأم يعمل على إفراز هرمون الأوكستوتسين في وقت الرضاعة.
وختاماً، من المتوقع أن يُستعمل هذا الهرمون بكثرة في السنوات القادمة في علاج الاكتئاب والأمراض النفسية والعلاقات زوجية التي يتخللها مشاكل نفسية كبيرة، لذلك أنصح الأزواج بالمحافظة الدائمة على تواصل جسدي دائم من عناق لقبلة وأحضان وغيرها..، وذلك لأكبر عدد ممكن خلال اليوم حتى تبقى العلاقة بينهما دائماً بها نوع من الترابط والمودة.