مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي حبب إلينا الطاعات، وحضنا على الاستمرار في عمل الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جزى المؤمنين على صومهم الأجر، ومحا عنهم بفضله كل وزر.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، كان عمله ديمة، وأفعاله في الخيرات مستديمة، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله في كل عمل، وراقبوه في السر والعلن؛ تنجوا من كل ذنب، وتسلموا من كل حوب، واعلموا أن من فضل الله على عباده أن أكرمهم بإتمام الصيام، وأعانهم فيه على فعل الصالحات والقيام، فالحمد لله على مننه، والشكر له على جزيل كرمه ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
ولا يخفى عليكم -يا رعاكم الله- أن العاقل إن رأى في شيء خيرا واظب عليه، وبذل جهده في أدائه مهرعا إليه، ومن أمثلة الخير ما كنتم عليه في شهر الصيام من مسارعة إلى ختم القرآن وتدبره، وإقبال على تعليمه وتعلمه، فضلا عن غيره من أصناف الطاعات، وأنواع القربات؛ كالمواظبة على الجماعة، والتشمير عن ساعد الجد في الإنفاق على المحتاجين، وترطيب اللسان بالذكر كل وقت وحين، ومثله عون الوالدين، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام، وكل ما يقرب إلى الله من قول وفعل، فالظن فيكم حسن بأن تواصلوا ما بدأتم، وأن تروا الله من أنفسكم خيرا كما هو العهد بكم، تعودتم عمل الخير حتى كان لكم سجية، وبذلتم جهدكم بنفس سمحة رضية، فابذلوا الجهد على المداومة على ما كان من فضل، والمسارعة إلى كل خير وأجر ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
أيها المسلمون: إن من هدي المؤمنين مواصلة الطاعات، والاستمرار في الفضائل والقربات؛ لأنهم موقنون أنه لن ينتهي العمل إلا عند بلوغ الأجل، قال ﷻ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقد حذر النبي من ترك الطاعة بعد اعتيادها، فقال لعبد الله بن عمرو: «يا عبد الله: لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل».
وليعلم كل إنسان أن إرضاء الله ليس محصورا بمكان، ولا محدودا بزمان، بل هو مطلوب في كل حين، وهو سمة الأنبياء والمرسلين؛ فقد قال الله ﷻ في محكم كتابه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، والمتقون لا يعبدون الله ليلا، فإذا ما أتى النهار عصوه، ولا يجتنبون محارمه في رمضان، فإذا ما انقضى رمضان نسوه، بل الطاعة ديدنهم، وفعل الصالحات منهجهم، والإنسان -كما هو معلوم- ليس معصوما، فقد تغلبه نفسه، ويغريه الشيطان «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، لكن المؤمن الإيمان الحق يسارع إلى التوبة إذا ما أخطأ، ويعود لربه مباشرة كلما أساء أو أذنب؛ فهو هدي المؤمنين، وسمت الصالحين، قال الله عنهم في محكم كتابه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
معاشر المؤمنين: من خير ما يعين على مواصلة الطاعة الاستعانة بالله؛ فما خاب من دعاه، ولا خسر من رجاه، ومن صور الاستعانة به سؤاله الصلاح واستمرار الفلاح؛ فقد قال في محكم كتابه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾، فليدع الإنسان ربه أن يقيمه دوما على طاعته، ولذا كان من دعاء النبي: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين»، وعلى المؤمن ألا يغفل عن دور الصحبة في المواظبة على الصالحات، والاستمرار على الطاعات، فإن الصاحب الصالح يعينك على الخير، ويربأ بك أن تقع في الشر، فهو مرآتك الأمينة، وناصحك الصادق، ولذا جاء في الحديث: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»، وقد كان أكثر ما يحرص عليه العقلاء اكتساب صاحب يذكرهم إن نسوا، ويصحح خطأهم إن أخطؤوا.
إن الصديق المخلص من يعينك على طاعة الله، ويبعدك عن سخطه، فإن رآك مقصرا في حق والديك ذكرك ببرهما، وإن شهد إهمالا منك في حق أولادك وجهك ونبهك، وكذا الشأن إن رأى منك خطأ في حق نفسك أو جيرانك أو وظيفتك أو أي شيء، أتاك بأسلوب الناصح المشفق الذي يرى خطأ صاحبه كأنه خطؤه، وتقصير رفيقه كأنه تقصيره.
فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا على عهد الصالحات باقين، وفي سبيل المجد دوما مرابطين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ واقرأ أيضًا خطبة الجمعة المهمة: تحديات ما بعد رمضان!
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي وفقنا لطاعته، وحضنا على بلوغ جنته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أحرص الناس على مرضاة ربه، وأبعدهم عن عصيانه والتقصير في حقه، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يقوم الناس لرب الأنام.
أما بعد، فيا عباد الله: استحضروا ما أعده الله للمؤمنين من نعيم إن هم واظبوا على طاعته، وامتثلوا أوامره، فإن ذلك من خير ما يعين على المضي قدما في طريق الخير، والاستمرار دوما في سبيل الصالحات، وتعالوا نقرأ معا هذه الآيات متأملين، وخاشعين متدبرين؛ لنرى سمات الأتقياء، وما أعده الله لهم إن هم امتثلوا تلك الصفات، وطبقوها ابتغاء رفعة الدرجات، قال ﷻ: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾، وهكذا يواصل المسلم مسيره، ويبذل في الحياة جهده ليصل إلى نعيم الله، ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.
والصالحات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها كثيرة؛ كصيام ستة أيام من شوال، فبها يغفر ذنبه، وتعلو درجته، وبها يثبت لنفسه أنه ماض على طريق الصوم، وأنه باق على عهد رمضان الذي صامه، وليله الذي قامه، وفي الحديث: «من صام رمضان ثم أتبعه بستة أيام من شوال فكأنما صام الدهر كله». ولا تنسوا -وأنتم تصومون في شوال- أن تدعوا الله لإخوانكم المرابطين في غزة بالعزة والتمكين، والنصر المؤزر المبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فاتقوا الله -عباد الله-، واسعوا إلى الفضائل، واجتنبوا الرذائل، واعملوا الصالحات، ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
⇐ شاهد كذلك: خطبة ماذا بعد رمضان مكتوبة ومؤثرة