هل يهتم الأهالي بمعرفة نفسية الطفل؟
وعن نفسية الطفل قالت “د. لمياء البراهيم” استشارية طب الأسرة وصحة المجتمع. الآن أصبح لدى الأهالي وعي كبير وكامل بحالة وصحة أطفالهم النفسية، للدرجة التي وصلوا فيها لحد تضخيم أمور بسيطة والتعامل معها على أنها مرض أو إضطراب نفسي. وبكل الصور لا ننكر أن هذا مؤشر إيجابي على خوف الأهالي على صحة أطفالهم النفسية، والإهتمام بها على نفس درجة إهتمامهم بصحتهم العضوية والتغذوية، ورغبتهم في تنشئة أطفالهم في بيئات أسرية وعائلية جيدة من الناحية النفسية.
ويزيد هذا الإهتمام بنفسية الطفل عند الأم مع الطفل الأول، لأنه بمثابة الحقل التعليمي والمجال الأول لإكتساب الخبرة في التربية والتنشئة السليمة. وتزيد أيضًا في العائلات الموجود فيها أطفال في ظل المتغيرات الجديدة على المجتمعات، والتطور التكنولوجي الرهيب الحادث الآن، وإنتشار الأجهزة الذكية التي غيرت كثيرًا من شخصية الطفل.
هل كل تأخر في النطق سببه مشكلة في التخاطب عند الطفل؟
تابعت “د. لمياء” ليس كل تأخر في النطق ينتج عن مشكلة في التخاطب، فسابقًا كان الأطفال ينشئون في أُسر ممتدة، حيث كانت البيوت مليئة بالأطفال، والصحيح طبيًا وتربويًا أن الأطفال يتعلمون النطق من بعضهم البعض وليس من الكبار، أما الآن أصبحت الأسر منغلقة على نفسها إلى حد ما، ويقل إجتماع أطفال العائلة الواحدة مع بعضهم البعض، مما يؤدي إلى تأخر النطق وصعوبات الكلام. وبشكل عام توجد العديد من الإجراءات الطبية الواجب إتباعها قبل الإقرار بإحتياج الطفل لبرنامج علاج سلوكي.
هل يُعد كل إضطراب سلوكي يُصيب الطفل مرض يحتاج إلى علاج؟
بالفعل يوجد إضطرابات مرضية تُصيب الأطفال، لكن الإحتياج للعلاج ومباشرة الطبيب المتخصص يكون عند تكرارها أكثر من مرة، وعندما تترك الأثر الواضح على الطفل كأن تجعله إنطوائيًا ومنعزلًا عن الآخرين، وكذلك إذا جعلته مختلف تمامًا عن أقرانه من الأطفال في نفس فئته العمرية.
فعلى سبيل المثال لا يُصنف الطفل الكثير الحركة والنشاط دائمًا بأنه مُصاب بفرط الحركة الذي يحتاج إلى علاج سلوكي، بل لابد أن يُلازم فرط الحركة تشتت الإنتباه والتركيز لوصف حركته بالإضطراب المتطلب للعلاج.
مثال آخر، لا يمكن اعتبار صعوبة التعلم في مادة دراسية واحدة دليل على الإصابة بصعوبات التعلم التي تحتاج إلى العلاج، لأن صعوبات التعلم كإضطراب نفسي له العديد من العوامل والجذور الفيسيولوجية التي يُشترط تواجدها في الطفل، لتشخيصها كمرض يتطلب العلاج السلوكي.
هل تؤثر مراحل النمو الجسدي والنفسي والعقلي للطفل على سلوكياته؟
أوضحت “د. البراهيم” كثير من الحالات يكون فيها الطفل طبيعيًا وإجتماعيًا ولا يهاب الناس وشبيه بأقرانه من الأطفال الآخرين، لكن مع التقدم في العمر وخصوصًا بمرحلة الثماني أو التسع سنوات تتبدل سلوكياته فيصبح أكثر إنطواءًا وإنعزالًا وقليل الأنشطة الإجتماعية، وتتشابه غالبية هذه الحالات في عامل تربوي مشترك وهو كثرة دلال (دلع) الوالدين للطفل والإفراط في تلبية رغباته وعدم إعتماده على نفسه في أبسط أموره الحياتية خلال مراحل نموه، وعند بلوغه سن المدرسة يصطدم نفسيًا بالواقع، ويجد نفسه مُلزمًا بالإعتماد على ذاته في تصريف شئونه الشخصية داخل المدرسة وحل واجباته الدراسية بدون مساعدة من أحد، فيعتبر هذه الإلتزامات الدراسية ضغط نفسي عليه ويتعامل معها بحساسية، كما يجد نفسه يتعامل مع أي سلوك يصدر من زملائه بالمدرسة على أنه اعتداء على شخصه حتى ولو كان مزاح صغار.
لماذا انتشرت فوبيا إصابة الأبناء بمرض نفسي؟
قد يرجع إنتشار هذه الظاهرة إلى زيادة الوعي بأهمية الإهتمام بنفسية الطفل، وهو أمر حميد رغم ما يُمثله من عبء وضغط نفسي على الوالدين.
كذلك انتشار الحملات الإعلامية المهتمة بصحة الأطفال عمومًا و نفسية الطفل، أدت إلى إجراء الوالدين – الأم بالذات – مقارنة بين الحالات والأعراض التي تتحدث عنها الحملات أو البرامج الإعلامية وبين تصرفات أبنائهم وسلوكياتهم، وقد يتطور الأمر إلى شعور الوالدين بالذنب والتقصير – خاصةً الأم العاملة – إذا وجدوا تطابق ولو بسيط بين ما يشاهدونه في الإعلام وبين طفلهم، ومحاولة تدارك الأمور سريعًا، فالأمر أشبه بالهوس النفسي على صحة الأبناء وتنشئتهم السوية.
إلا أن الفوبيا والخوف الشديد من تضرر نفسية الطفل قد يؤدي إلى اللجوء إلى بدائل تعويضية خاطئة، مثل شعور الأب بالتقصير مع أولاده لإنشغاله بالعمل طوال اليوم، فيبدأ في تعويض ذلك ماديًا فقط بكثرة السخاء على الأبناء بالمال، دون النظر إلى التفاصيل الصغيرة التي قد تضر سلوك الطفل خصوصًا مع إنتقاله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الصبية.
هذا البديل التعويضي قد يعود بأثر عكسي على سلوك و نفسية الطفل عندما يدخل في مرحلة الصبية أو المراهقة، وكذلك الأمر بالنسبة للإناث وإن اختلف بعض الشيء عن الذكور، فالابن الذكر في عمر الثماني سنوات يحتاج إلى وجود الأب معه أكثر من المال، لأن وجود الوالد في تفاصيل الابن الحياتية اليومية يُعزز لديه الشعور بالأمان، ويُحلّيه بالثقة والقدرة على مخالطة المجتمع، والإعتماد على نفسه، الأمر الذي يجنب من الوقوع في الإنحرافات السلوكية.
متى يجب على الوالدين عرض طفلهم على الطبيب النفسي؟
أردفت “د. لمياء” عادةً ما يُقلد الأبناء الوالدين، الأنثى مع أمها، والذكر مع والده، ومن خلال وجود علاقة سوية وجادة بين الآباء والأبناء يمكن ملاحظة أي تغير سلوكي يطرأ على الطفل. فالطفل الذي يتحدث مع والديه دون النظر في أعينهم ليس شرطًا أن يكون من دواعي الإحترام والأدب أبدًا، بل قد يتطور الأمر لحد المرض. كذلك الطفل الذي كان يتحدث مع والديه قدر إستطاعته وهو صغير، ثم تحول إلى التأتأة والتلعثم رغم كبره. كذلك تحول الطفل إلى العُزلة وعدم الحديث مع والديه على غير عادته.
فكل هذه التغيرات السلوكية تستلزم متابعة الطبيب فور ظهورها على نفسية الطفل، للفحص والوقوف على الأسباب النفسية والعضوية التي أدت إليها، وأيضًا لتحديد البرنامج العلاجي المناسب.
ولا يقتصر دور الملاحظة والمتابعة على الوالدين فقط، بل يمتد إلى المعلمين والمعلمات بالمدرسة، حيث يلعبون دورًا مهمًا في تأكيد تكرار الإضطرابات السلوكية والأفعال الشاذة للطفل، أم أنها مجرد تصرفات عابرة، الأمر الذي بموجبه تتحدد الطريقة المثلى في التعامل مع الطفل وتصرفاته.
ما أبرز الإضطرابات السلوكية المنتشرة حاليًأ؟
زادت نزعتيّ الغضب والأنانية لدى أطفال اليوم كثيرًا، نظرًا لزيادة الشعور بالتملك عند الكثير من الأطفال، ويظهر ذلك جليًا عند الأطفال حال إنجاب أمهم لطفل جديد وزيادة العناية والإهتمام به، وتقصيرها بعض الشيء في الإهتمام بإخوته، مما يُنمي الشعور بالغيرة من هذا الرضيع، وشعوره بفقد حالة التملك التي كان يتمتع بها قبل حضور أخيه أو أخته، هذه المشاعر النفسية عند الطفل قد تتطور إلى صدمة عصبية ونفسية تحتاج إلى الإحتواء والإستيعاب، هذه الصدمة قد تصيبه بإضطراب سلوكي كالتبول اللاإرادي مثلًا والذي يحتاج إلى علاج.
أهم النصائح للوالدين للمحافظة على نفسية الطفل
عززوا ثقافة الحوار بينكم وبين أبنائكم بدون أي أحكام مُسبقة، واستمعوا إليهم جيدًا، واجعلوهم جزء وطرف في حل مشكلاتهم إن وجدت وليسوا مجرد منفذين لأوامركم. واكتشفوا أفكارهم عن البيئة المحيطة بهم وعن المستقبل.
اجعلوا أبنائكم يتحلون بقدر من المسئولية في شئونهم الخاصة، لكي لا يصطدموا بالواقع مستقبلًا.
لا تمنحوهم كل رغباتهم، ولا تمنعوهم إياها كاملة، بل اربطوا بينها وبين الثواب والعقاب.
علموهم كيف يتعاملون مع المواقف، وما هي الخطوط الحمراء التي يجب عليهم عندها إبلاغكم مثل التحرش والتنمر والإعتداء اللفظي والبدني، والمواقف التي عليهم التصرف فيها بأنفسهم دون إنتظار مساعدتكم، بشرط أن يكون تصرفهم في حدود ما تربوا عليه وتعلموه منكم.
لا تدافعوا عن أولادكم وتصرفاتهم طوال الوقت أما الآخرين، وبنفس الوقت يمنع تمامًا إهانة الطفل أمام الآخرين بمن فيهم أخوته.