المرأة في الأدب الإنساني كله هي رمز للحياة ولا يوجد أديب حقيقي موهوب إلا كانت المرأة بالنسبة له موضوعا أساسيا، وهي دائما طرف قوي من أطراف الصراع الإنساني الذي يصوره الأدباء ويعبرون عنه. والأدب الذي يخلو من دور المرأة هو أدب جاف يخلو مما ينبغي أن يتوافر للأدب الجميل من لطف وتأثير ونعومة وعاطفة، وهو أدب يخلو ـ فوق ذلك ـ من الفهم الصحيح للحياة والتعبير عنها بصدق وعمق وأمانة وقد أحسن اليونانيون القدماء عندما قالوا في أساطيرهم إن المرأة والرجل هما في الأصل كائن واحد انقسم إلى قسمين وكل قسم من هذين القسمين يسعى للبحث عن قسمه الآخر أو نصفه الآخر كما نقول الآن، وعندما يلتقي القسمان أو النصفان يولد الحب وتتحقق السعادة وتستمر الحياة أما اذا خاب السعي، ولم يلتق القسمان مع بعضهما البعض فالحب لا يكون والسعادة لاتكون، والحياة تصبح خريفا دائما أوراقه صفراء وآلامه كثيرة والربيع فيه غائب بجماله وما فيه من قدرة كبيرة على أن يبعث الحياة في الأوراق الذابلة.
الحياة بدون المرأة لا معنى لها. وكذلك الأدب الجميل فلا جمال في الأدب دون أن تكون المرأة لها مكانة أساسية فيه، لأن المرأة في الأدب هي مفتاح المفاتيح كلها في فهم الإنسان والاقتراب من أسرار الوجود.
والشاعر الإنجليزي العالمي وليم شكسبير 1564-1616 هو واحد من أكبر الأدباء الانسانيين العظماء الذين حاولوا في كل ما كتبوه أن يعالجوا المشكلات الكبرى للإنسان والحياة. والمشكلات الكبرى هي تلك المشكلات الموجودة مع الإنسان منذ ظهوره على الأرض، وسوف تظل باقية معه إلى النهاية، أي أنها مشكلات لا تتأثر بالزمان أو المكان، فهي موجودة في كل عصر، وموجودة فوق أي جزء من الأرض فيه بشر يتعاملون مع بعضهم البعض، ويتعاونون على الحياة أو يتصارعون حولها من أجل البقاء..
والمرأة في أدب شكسبير هي موضوع أساسي دائم، وهي في هذا الأدب تجسيد كامل للحياة نفسها بما فيها من خير وشر، بحيث نستطيع أن نقول إن رؤية شكسبير للمرأة هي نفسها رؤيته للحياة كلها.
وشكسبير كما يجمع الباحثون والنقاد ليس من الأدباء الذين يقدمون في أدبهم آراء يتعصبون لها أو يدافعون عنها، ولو حاول أحد أن يقدم دراسة عن آراء شكسبير الخاصة به وحده لما وجد شيئا من ذلك على الاطلاق، لأن شكسبير لا يفتي بشيء ولا ينصح أحدا بشيء، ولكنه أديب وفنان يصور ما يراه وينقل في أدبه ما يحس به من أمور الحياة وهو أشبه بالكاميرا الدقيقة التي تنقل صورة طبق الأصل للواقع الإنساني، ولكن هذه الكاميرا هي كاميرا موهوبة جدا، وقد منحها الله قدرة على العمق والنفاذ، وأعطاها عينا سحرية قادرة على رؤية ما لا تراه عيون الآخرين، وقارئ شكسبير يستمتع بعالمه الأدبي والفني بسبب ما فيه من جمال عجيب وتنوع غير محدود، ولكن جوهر القيمة والأصالة في أدب شكسبير هو أنه أدب يكشف الستار عن واقع الحياة وعواطف الإنسان الظاهرة والخفية وتلك هي قيمة شكسبير الكبرى، أما الذين يبحثون في أدبه عن واعظ ينصحهم، أو مذهب من مذاهب الحياة يؤمنون به أو يسيرون على هداه فلن يجدوا من ذلك شيئا على الإطلاق، لأن شكسبير ليس واعظا ولا خطيبا ولا ناصحا لأحد ولا صاحب مذهب من المذاهب ولكنه فنان يرى ويقدم رؤيته للناس والحياة، فتدهشنا هذه الرؤية بعمقها وجمالها وصدقها.
وشكسبير يقول لنا في أدبه كله: هذه هي الدنيا وعليكم أن تأخذوها كما هي وأن تفهموها على وجهها الصحيح كما خلقها الله.
ولعلنا لو أغمضنا عيوننا بعد قراءة أعمال شكسبير الرئيسية وتساءلنا ما هو القول المختصر الذي يريد هذا الفنان العظيم أن يقوله بأعماله الفنية البديعة… لو أننا طرحنا مثل هذا السؤال فأغلب الظن أن الإجابة الصحيحة سوف تكون هي أن شكسبير يقول إن الحياة كلها تقتضي من الإنسان أن يتواضع، فالكبار والأقوياء والذين كانوا يظنون أنهم فوق كل الظروف والأقدار والمصادفات..
هؤلاء جميعا قد سقطوا وتعرضوا للآلام والمتاعب، وإن كانت الدنيا قد ابتسمت لهم يوما فإنها قد تخلت عن ابتسامتها في أيام أخري كثيرة.
وإذا كان هذا هو حال الأقوياء والكبار، فإنه حال يتكرر مع الناس العاديين فالدنيا لا تبتسم ابتسامة دائمة، بل إن ابتسامتها هي فصل واحد من فصول الحياة، وبعدها تأتي فصول أخري ليس فيها ابتسامات، وهذا كله يفرض على الإنسان أن يتواضع وأن يبتعد تماما عن الغرور والتعالي مهما كانت مكانته ومهما كانت قوته.
وهكذا فإن رؤية شكسبير الكبرى في أعماله الأساسية هي دعوة إلى التواضع الإنساني الصادق. إن شكسبير يقول لنا: تواضعوا فلن تكونوا أكبر من الملوك الذين سقطوا من عروشهم وهم في عز قوتهم ولن تكونوا أقوي من أصحاب السلطان الذين كانوا في القمة وظنوا أن الدنيا قد أصبحت خادمة لهم وتابعة لأهوائهم ولكنهم تدحرجوا من فوق القمة فجأة وأصبحوا لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا ومع ذلك فإن شكسبير لايقول لنا هذا بطريقة مباشرة، ولكنه يقدم إلينا في أدبه وقائع ونماذج بشرية تؤكد صحة دعواه في المناداة بضرورة التواضع عند كل إنسان يريد لنفسه النجاة من شرور الحياة المفاجئة.
وشكسبير لايصاحبنا في أدبه إلى فهم الحياة على حقيقتها إلا ومعه عدة مفاتيح أساسية، والمرأة على رأس هذه المفاتيح جميعا. ومن يفهم المرأة عند شكسبير يكون قد قطع شوطا واسعا في فهم الحياة وفهم الإنسان.
فكيف كانت النساء الأساسيات عند شكسبير؟.
إن في استطاعتنا عند الإجابة ان نجد عند شكسبير ألوانا من النساء، وكل لون من هذه الألوان يمثل طريقة في فهم الحياة والتعامل.
وأول وأجمل نموذج نسائي عند شكسبير هو المرأة الثائرة ضد خطأ من أخطاء الواقع. وثورة هؤلاء النساء تبدأ من وجود وضع غير سليم، تصطدم به المرأة وترى فيه ما يقف في وجهها ويمنعها من تحقيق السعادة التي تريدها وتسعى إليها وترى أن من العدل ألا يخيب سعيها في سبيل هذا الهدف الطيب النبيل.
وهذا النموذج من النساء يبدأ رحلته الصعبة من البراءة والصدق مع النفس.
فالنفس البريئة ترفض الأخطاء وتعترض على القيود التي تقوم على أساس غير سليم.
والنفس البريئة تكون عامرة بالقوة التي تساعد على الرفض والاعتراض والأبرياء كثيرا ما يتحولون إلى ما يمكن أن نصفه بأنه عناد وبسالة في مواجهة الظروف فالنفس البريئة تدافع عما تؤمن به دفاعا لاتهاون فيه، لأنها تشعر بأن إيمانها صادق وأن رؤيتها حقيقية، وأن كل شيء يقف ضد الهدف ينبغي الاعتراض عليه والتحدي له مهما كان الثمن.
فالبراءة إذن بها قوتها وإرادتها ولايجوز لأحد أن يتصور الطيبين على أنهم ضعفاء أو فيهم سذاجة، فالبريء لا يتردد ولا يعرف ذلك الذي يقال له في أحاديثنا اليومية إنه عين في الجنة وعين في النار، فالبريء لا يرى أمامه جنته إلا في هدفه الذي آمن به واعتقد في أنه هدف صحيح.
وهذا النموذج للبراءة وللإيمان العنيد تمثله جولييت في مسرحية روميو وجولييت. فالفتاة الجميلة جولييت شعرت بالحب يملأ قلبها للشاب النبيل روميو وشعرت جولييت أيضا بأن حبيبها يحبها بنفس الدرجة وأنه إنسان شريف يتطلع إلى هدف شريف أيضا هو الزواج من حبيبته. أي أن روميو لم يكن شابا لعوبا عابثا يفكر في خداع حبيبته والاستيلاء على قلبها وعقلها وقضاء أيام ممتعة معها ثم الهروب بعد ذلك ونفض اليد من تحمل المسئولية.
والحب الحقيقي هو مسئولية كبيرة يتحملها العاشق في سعادة مهما كانت هذه المسئولية صعبة وثقيلة. الحب بدون مسئولية هو حب زائف وكذاب.
و جولييت العاشقة الصادقة البريئة وجدت عقبة عسيرة جدا تقف في وجه حبها، وهذه العقبة هي أن عائلتها كانت على خلاف طويل وثأر قديم مع عائلة حبيبها روميو.
وهنا جاءت ثورة جولييت فقد ثارت جولييت على هذا الوضع ورفضت أن تستسلم له، وقررت أن تخوض معركة طويلة من أجل الدفاع عن حبها الجميل. ولكن الخلاف بين العائلتين ظل يطارد الحبيبين حتى انتهي بهما إلى الموت معا وأصبح من حقهما أن يكونا شهيدين للحب القوي العفيف الذي يفضل فقدان الحياة نفسها على الحياة… بلا قلب.
وهكذا انتهت ثورة جولييت على الأوضاع الخاطئة المحيطة بها إلى نهاية مأساوية، فقدت جولييت فيها حياتها. ولكنها فقدتها جنبا إلى جنب مع حبيبها الذي سقط معها شهيدا في نفس المعركة.
هل خسرت البريئة الجميلة جولييت حياتها من أجل لاشيء؟ وهل كانت ثورتها على الأوضاع الخاطئة ثورة بلا جدوي ولا نتيجة؟الحقيقة أنه عندما نتأمل ثورة جولييت سوف نجد انها كانت ثورة حققت أهدافا كبري لاشك في قيمتها وأهميتها فعائلة جولييت وعائلة حبيبها روميو عندما عرفتا بتفاصيل المأساة فإن هاتين العائلتين تصالحتا وأنهيتا قصة الخلافات الطويلة بينهما وعاد إليهما سلام صادق أصيل.
فكأن جولييت قد دفعت ثمن السلام العائلي الذي كانت تحتاج إليه لتحقيق ماكانت تتمناه من السعادة في ظل الحب الحقيقي الناجح.
وتلك هي طبيعة الحياة. فما من هدف كبير يتحقق إلا بعد كفاح طويل من أجل تحقيقه، وكثيرا مايحتاج هذا الهدف إلى تضحية، فبدون التضحيات الغالية لاتتحقق الأهداف العالية.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن جولييت قد خسرت حياتها وضحت بنفسها، وهذه خسارة لاشك فيها، وهي خسارة كبيرة وليست صغيرة. ولكن جولييت بتضحيتها نجحت فيما لم تنجح فيه أجيال متعاقبة من العائلتين المتحاربتين اللتين تعودتا على أن تكون العلاقة الوحيدة بينهما قائمة على إسالة أكبر قدر من الدماء على الجانبين.
ولكن بعد أن ماتت جوليت وحبيبها روميو شهيدين للحب الذي قتلته العلاقة السيئة بين العائلتين، تعلم الجميع درسا لا يمكن نسيانه، وهو أن السلام والتعاون والمحبة بين العائلتين هو طريق الأمن والهدوء والسعادة والمحافظة على الحياة. فتخلصت العائلتان بفضل تضحية العاشقين من الأحقاد والرغبة المريرة في الثأر وانطلق نهر الحياة يجري من جديد بالخير والنعمة والصفاء.
علي أن جولييت عندما ضحت بنفسها قد حققت هدفا ساميا آخر هو إعادة الاعتبار والاحترام والإجلال لعاطفة الحب، فقد أصبحت جولييت رمزا للحب الجميل المخلص الصادق المستعد للقتال من أجل حماية هذه العاطفة الإنسانية العالية، وجعلت جولييت من الحب قوة تساعد صاحبها على الاستشهاد في رضى وابتسام. وفي كل عصر وفي كل مكان على الأرض أصبحت جولييت رمزا للحب، ثابتا وقويا ومليئا بالإشعاع.
وفي ذلك رد اعتبار كبير جدا للحب، لأن الحب كان عاطفة تنظر إليه المجتمعات الإنسانية في كثير من الأحيان على أنها عاطفة تدل على الضعف، وأنه مظهر من مظاهر اللهو والترف والعبث، وأنه أمر ينبغي على صاحبه أن يخجل منه ويخفيه وألا يعلنه ويجاهر به.
ولاتزال الثقافة الإنسانية تخضع لمثل هذه الفكرة عن عاطفة الحب، وهذه الثقافة تضغط لكي تبقي من الحب سرا لايتم إعلانه على الناس، لأن في إعلانه ما يجعل وجوه أصحابه حمراء من الحياء، فكأنهم في حبهم قد وقعوا في خطأ شائن ينبغي عليهم أن يستروه بالصمت.
وفي هذا المناخ الإنساني أصبح الحب أمرا يتحدث عنه الأدباء والفنانون في حرية، بينما يخشاه الناس العاديون ويبذلون أكبر الجهد للمداراة عليه، وكأنهم لايحبون وإنما يتآمرون. وفي مثل هذا المناخ تشرق شمس جولييت لتقول للإنسانية كلها توقفوا عن هذا الإضطهاد المعنوي للعشاق، فالعشاق هم شهداء، أو مشروع للشهداء.
والحب الأصيل عاطفة كريمة قوية، وليست عاطفة تثير الخجل أو تدل على الضعف والانهيار.
وما فعلته جولييت في مسرحية روميو وجولييت فعلته ديدمونة في مسرحية عطيل، فقد حاربت جولييت ضد العداء الموروث بين عائلتين كبيرتين، تتحاربان وتخوضان قتالا مستمرا بدافع من الثأر لأحداث قديمة وقعت في أجيال سابقة، ولم يسقط أثر هذه الأحداث بالتقادم كما يقال في القانون، ولم يسقط من ناحية أخري الآن العقل والحكمة والعدالة ترفضها، فما ذنب الأجيال الجديدة حتى تدفع ثمن أخطاء وقع فيها الآباء والأجداد بالرغم من أن هذه الأجيال الجديدة لم ترتكب خطأ من أي نوع، ومع ذلك فهي تقع تحت ضغط العقاب بالوراثة، أي أن الأجيال الجديدة قد ورثت التهمة حتى وهي في بطون أمهاتهم. وذلك أمر تنكره العدالة وينكره المنطق، وفيه إفساد كامل للحياة.
هذا ما كافحت ضده جولييت ونجحت في كفاحها وإن كانت قد دفعت ثمنا غاليا هو حياتها وحياة حبيبها روميو، ولكن عظمة التضحية هنا تتأكد لنا من أن جولييت قد قامت بهذه التضحية وهي راضية تماما، فرسالتها في الدفاع عن الحب والعدالة تستحق ما بذلته من ذات نفسها في قناعة كاملة ورضاء تام.
أما ديدمونة فإنها دافعت عن قضية أخري هي قضية المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات حسب إمكانات كل إنسان، وليس خضوعا لذلك الانحراف الإنساني الذي أقام تفرقة بين الناس على أساس اللون، فالأبيض له حق كامل في الحب والحياة، أما الأسود والأصفر والأسمر، فحقهم في ذلك محدود، بل هو غير موجود. فكيف يقبل العقل الحر ذلك الأمر؟. لقد كانت ديدمونة إنسانة صافية وصاحبة عقل حر لايقبل الالتواء ولا يستوعب معاني الظلم، ولذلك أحبت ديدمونة البيضاء رجلا أسود اللون هو عطيل. أحبته لأنه جدير بالحب، فهو قائد عسكري نابغ، وإنسان صاحب قلب كبير وثقافة واسعة ولسان عذب وسلوك نبيل.
المجتمع يقول: إن عطيل إنسان ناقص لأنه أسود.
أما ديدمونة فإنها لا تستوعب مثل هذا الأحكام، لا بعقلها ولا بقلبها، فهي على العكس من ذلك تحس بأن عطيل شخص عظيم وجميل ونبيل، لأنه بالفعل شخص عظيم وجميل ونبيل، فهو مثال للكمال الأخلاقي والحضاري كما أنه مثال للكمال الجسماني أيضا. فكيف تضيع هذه الكمالات كلها لمجرد أن عطيل… أسود؟!.
والحقيقة أن الاضطهاد بسبب اللون الأسود بالتحديد ليس مقتصرا على أوروبا والغرب، فهو موجود في الشرق أيضا، وهذا النوع من الاضطهاد هو سقطة وقع فيها التاريخ الإنساني كله. ولا تزال هذه السقطة قائمة في اللغة، فلغات العالم كلها ــ بما فيها اللغة العربية ــ تصف الحقد بأنه أسود، وتصف بالسواد كل ماهو سيئ في هذا الوجود، والحق أن هذه السقطة في لغات العالم كله ينبغي أن تزول، فلا يليق بالإنسانية أن يبقى اللون الأسود فيها رمزا لكل ما هو كريه.
والإنصاف هو أن يقال إن الناس والأشياء لاتختلف بالألوان، وإنما تختلف بالعقول والقلوب والقيمة الحقيقية، ولذلك فينبغي التخلص من استخدام اللون الأسود علامة على السوء والكراهية. فزهرة النرجس الرائعة سوداء، وجمال الأفريقيات السوداوات هو من أروع ألوان الجمال في هذا الوجود. وصاحب البشرة السوداء قد يكون صاحب قلب أروع ألف مرة من أصحاب الوجوه البيضاء.
وتلك هي القضية التي ثارت من أجلها ديدمونة البيضاء الجميلة، وماتت شهيدة في الدفاع عنها، لأن أهلها، أصحاب الوجوه البيضاء، لم يتوقفوا عن التآمر ضد حبها الذي كانوا يعتبرونه خطأ وانحرافا، أما هي فكانت تعتبره شرفا مابعده شرف.
وكانت على حق عظيم، أما أهلها فكانوا غارقين في باطل غير محدود.
جولييت وديدمونة امرأتان ثائرتان في أدب شكسبير، وهما ثائرتان من أجل أهداف إنسانية رائعة، وقد ماتت جولييت وماتت ديدمونة وهما راضيتان بالتضحية الكبيرة من أجل هدفهما النبيل. وأتصور أنهما معا ماتتا وعلى ثغرهما ابتسامة تدل على الرضا. والتضحية المبتسمة وهي التضحية الحقيقية لأنها تتم بإرادة أصحابها ولاتتم بالرغم عنهم. أما التضحية الغاضبة فهي أقل في قيمتها بكثير، لأنها تضحية يقدمها أصحابها وهم مرغمون عليها.
جولييت وديدمونة هما نموذجان رائعان للثائرات المبتسمات.. فهن ثائرات من أجل أن تصبح الإنسانية أفضل وأجمل وأكثر عدالة.
بقلم: رجاء النقاش