العزة تعني التحرر من رق الأهواء ومن ذل الطمع وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ﷻ ورسوله ﷺ، وهدف ذلك مناصرة الفضيلة ومقارعة الرذيلة واحترام المثل العليا.
والعزة خلق عظيم من أخلاق المؤمنين التي يتحلوا بها ويحرصوا عليها {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}، وقال عن عباده الأخيار: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} فالمؤمن عندما يمتلأ سمعه بحديث العزة والقوة ويستشعر بها تأبى عليه الذلة والمهانة، قال ابن كثير – رحمه الله: من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله ﷻ.
قال ﷻ: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}.
فقوة الكلمة تنبع عن تماسك الإيمان فيشعر المؤمن بموطن الهيبة والاقتدار ولا يشعر بالإحباط ولا يهتز في حال الخذلان، بل يصبر في حال البلاء ويحتفظ بعزته وكرامته فيصدع ويطالب بالإسلام قولا وعملا واعتقادا ومنهجا ودستورا في الحياة؛ لأنه عادل ومن الله ﷻ، والله ﷻ يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفاسفها.
العزة لا تعني التكبر والتفاخر والبغي أو العدوان، إنما حفظ الكرامة وصياغتها {ايبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} فيعتز المسلم بدينه ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة رافعا رأسه شامخا بإسلامه متحررا من الأهواء.
فالعزة غير الشرعية ترتبط بالاعتزاز بالكفار، والاعتزاز بالآباء والأجداد، والاعتزاز بالقبيلة والعشيرة، والاعتزاز بالكثرة من المال والولد، والاعتزاز بعدم قبول النصيحة، والاعتزاز بجمال الثياب والدواب والبيوت، والاعتزاز بالأصنام والأوثان وبالجاه والمنصب.
فمن أراد العزة فليعز دين الله ﷻ في كل لحظة من خلال كلامه وأفعاله والدفاع عنها وعن العلماء وينصر الحق ويقف معه ويؤازره، قال القرطبي: فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة فليقصد بالعزة الله ﷻ والاعتزاز به.
من أسباب العزة بالإضافة إلى الإيمان بالله وطاعته وطاعة رسوله، والإيمان باليوم الآخر، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواضع والعلم الشرعي، والعفو عن الناس مع القدرة، واليقين بأن المستقبل لهذا الدين، والثقة بنصر الله جل جلاله، والحرص دوما على تجديد الإيمان وتقوية النفس وقراءة سير النماذج والقدوة الذين اعتزوا بدينهم واستقاموا عليه وعلموا أن القرار إلى الله طريق كله أشواك وصعاب وبلاء، ولكن نهايته سعيدة بالفوز بالجنة والسعادة الأبدية بعد رحمة الله ﷻ.
مواقف فيها عزة
١. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
٢. وقال الحسن -رضي الله عنه-: يأبى الله إلا أن يذل من عصاه.
٣. وموقف يعقوب بن يوسف الموحدي مع الأذفونش الأفرنجي صاحب غرب جزيرة الأندلس بعدما انتهت الهدنة عام 590هـ وضعفت حال المسلمين، فكتب الأذوفونش رسالة إلى الأمير يعقوب بتهدده ويتوعده، فرد عليه يعقوب: ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنحرجنهم منها أذلة وهم صاغرون.
الجواب: ما ترى لا ما تسمع ثم أمر بالاستنفار واستدعى الجيوش وجمع العساكر ثم سار حتى دخل بلاد الأفرنج، وقد تأهبوا لقتاله فكسرهم كسرة شنيعة وذلك سنة 592هـ.
٤. وموقف الإمام أحمد في قضية المأمون والزام الإمام أن يقول بخلق القرآن، فسجنه وعذبه، فصبر وثبت على قوله بعدم خلق القرآن حتى أعزه الله وخرج من السجن معززا مكرما مرفوع الرأس.
نسأل الله العزة لأهل الإيمان.
بقلم: د. بسام خضر الشطي