إن من سمات هذا الدين القويم أنه دين الحب والسلام والرحمة، كل أوامره تحث على التراحم وتدعو للألفة وتقبل الآخر، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد كان برا رحيما رفيقا بكل من يتعامل معهم، حتى في أشد الأوقات صعوبة، كأوقات الحرب والغزوات كان يوصي أصحابه خيرا بأعدائه، ولطالما وضع قواعد تحمل معاني الشرف والأمانة والرفق بالضعفاء تحلت بها سيرته العطرة. وهنا سوف نذكر طائفة من مواقفه وأحاديثه صلى الله عليه وسلم التي يدع فيها إلى الحب ويؤصل بها قيم التراحم والتواد بين الناس جميعا.
وصية النبي في غزواته
الإنسان أشد ما تكون قسوته عند لقاء أعدائه، فالحرب تبيح له الانتقام والثأر بكل الوسائل، غير أن حبيبنا الصادق المصدوق لا يتخلى عن إنسانيته ونبله وكرم أخلاقه حتى مع أعدائه، فهو يخرج لإعلاء كلمة الله، بلا رغبة في سفك دم أو رق أو تحصيل غنائم، ومن ثم يوصي أصحابه بعدة وصايا تعتبر دستورا للبشرية جمعاء، فيقول لهم : (أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً)، وفي رواية أخرى يقول:( لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة الا لمأكل ولا تٌغرقوا نحلاً ولا تحرقوه). يا الله انظروا إلى دروس النبي -صل الله عليه وسلم- في الرقي والإنسانية، وتعلموا!
دعوته –صلى الله عليه وسلم- للحب في الله
دعتنا شريعتنا إلى الحب في الله، وحثنا عليه المصطفى –عليه الصلاة السلام- لما له من عظيم الأثر على سلامة الأمة وقوتها وتلاحمها، ونحن في هذا الزمان في أمس الحاجة إلى نشر هذه الثقافة وهذا النوع من الحب، الحب الذي لا يبتغي به الانسان مصلحة ولا يسعى إلى قضاء حاجة ولا استغلال منصب، هو حب قوامه الصلاح والتقوى والتراحم، ومتى خلا الحب من دوافع المصالح الشخصية كان خالصا لله دائما، قويا.
وهناك أحاديث وردت في فضل الحب في الله وكيف ينفع الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، يوم لا ينفع مال ولابنون، ومنها قوله صلي الله عليه وسلم : (ثلاثة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم الإمام العادل، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
بل بلغ من تأكيده عليه الصلاة والسلام لهذا المعنى، أن جعل الحب في الله شرطا في الإيمان ومكملا له، وشرطا في دخول الجنة، ومن ذلك ما ورد عنه أنه قال: (والذي نفسي بيده , لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ) (أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ , أفشوا السلام بينكم).
رحمته صلى الله عليه وسلم- بالأطفال
كان النبي صلى الله وعليه وسلام- مثلا يُحتذى به في الرفق بالأطفال والعطف عليهم، فلم ينهر طفلا أو يعنفه أبد، وكان يلاعب الحسن والحسين ويتلطف معهم، وكان عليه السلام يستنكر قسوة الآباء على ابنائهم وينفر منها، ومن ذلك أنه كان ذات مرة يقبل الحسن والحسين أبناء علي بن ابي طالب رضي الله عنهما وعن أبيهما، فرآه رجلا يقال له الأفزع، فعجب لفعل النبي أشد العجب، وقال جملة شهيرة لا تزال كتب السيرة تذكرها ( إن لي من الأولاد عشرا ما قبلت أحدهم)، فما كان من النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أن أنكر عليه ذلك ونعته بقسوة القلب.
وأخيرا فإننا لو كتبنا مجلدات في رحمة النبي بأمته وأصحابه والأطفال والخدم، حتى أهل الكتاب كان رحيما بهم، وحين واتته الفرصة أن يدع على قومه وهو في أشد حالات الأذى والتضرر من ظلمهم له، لم يدع عليهم! بل دعا لهم وقال: (لعل الله يخرج من أصلابهم من يشهد أن لا إلاه إلا الله وان محمدا رسول الله) أو كما قال عليه السلام، فهنيئا لم سار على نهجه واستن بسته وعمل بدعوته!