هكذا هو الشعب المصري وهكذا كانت ثورته، ثورة 25 يناير المجيدة، نظيفة بيضاء كقلوب الشعب المصري الطيب، الذي طال صبره على الظلم والجور، وانهكه الطغيان ونال منه ومن ثرواته غياب الضمائر والنفوس الملوثة، صبر وأطال الصبر حتى نفذ، فلم ير بدًا من التمرد والثورة والتكشير عن أنيابه ليرتدع الطغاة والمستبدين والفاسدين المفسدين.
ما قبل ثورة 25 يناير
كان شعب مصر يعاني كل أنواع المعاناة، ما بين تدهور في أوضاعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وما بين مشكلة البطالة وقلة فرص العمل، والتي قيدت أحلامه وكانت تقف حائلا دون التخطيط لمستقبل طموح أو واعد، فكل عام يتخرج ملايين الطلبة لينضموا إلى صفوف العاطلين الذين لا يجدون عملًا يمنحهم الأمل، كل عام المشكلة تتفاقم والأعداد تتزايد والفقر يدق كل الأبواب، باستثناء أبواب القصور والفيلات والشقق الفارهة التي احتكرها أكابر رجال الدولة.
انقسم الشباب في توجهاتهم وفي ردود أفعالهم فيما يتعلق بحالة البطالة والفقر، فمنهم من صار يضرب في الأرض بحثا عن لقمة العيش ويمتهن أي مهنة حتى لو كانت غير مناسبه لتخصصه ولا دراسته ولا سنوات العمر التي قضاها في التعليم، والبعض يتسكع في الشوارع وتعج بهم المقاهي، والبعض الثالث يسيطر عليه الأفكار الشاذة والخطرة من فكرة الهجرة غير لشرعية، إلى أفكار تتعلق بامتهان النصب والتحايل والغش لكسب العيش، بينما كان لفيف منهم قد دفعه الفراغ إلى مراقبة أوضاع الوطن، ومتابعة سياسته عن كثب، فكرس وقته لفهم ما يجري حوله وكان بداخله طاقة نور تجعله مقتنعا أنه يستطيع الإصلاح.
استشعر الشباب الحر الظلم والجور الذي لاحظه على كل مستويات والفساد الذي بات شائعًا في كل شيء وفي كل مجال، ولم يتوقف الظلم عند الفقر والبطالة وشظف العيش، بل تعداهم ليشمل كل صور انتهاك الحرية والآدمية، والحبس والسجن والتعذيب تحت مسميات ما انزل الله بها من سلطان، فبدأ الشباب يستعينون بأسلحة التكنولوجيا ومواقع التواصل ليتواصلوا ويتناقشوا ويتبادلوا الخبرات والآراء والقرارات، فما كان بعد ذلك إلا أن أذن الله لثورة 25 يناير أن تنطلق وأذن لصوتها أن يعلو ويرتفع في سماء مصر وميادينها ليهز الحكام والمحكومين ويوقظهم من ثبات طويل، ويعلن بداية النهاية.
يوم ثورة 25 يناير 2011
كان يوم 25 يناير الموافق لعيد الشرطة هو بدء فاعليات الثورة، التي انطلقت وصمدت واستمرت في إعلان غضبها على كل صور الفساد والظلم لمدة ثمانية عشر يومًا، شهدت فيها ميادين مصر حملة غضب عارمة على النظام والدكتاتورية والظلم، مقابلها حملة ظلم وقمع وسجن وقتل تعكس ارتباك النظام كله، وخوفه الذي وصل إلى حد الهلع، نعم استطاع الشباب الحر المسالم ببعض الهتافات والعبارات أن يبثوا الرعب في قلوب من يمتلكون زمام الأمور، ومن يمتلكون السجون والمعتقلات والأسلحة.
ثمانية عشر يومًا من الصمود والإرادة ودفع الثمن استطاع بعدها الشباب وثورتهم السلمية التي حازت إعجاب العالم أن يزلزلوا عرش الدكتاتور ويطيحوا به، ويحلوا وثاق حزب لم ير منه خير قط، ويلغي برلمان قام على التزوير والإكراه والأساليب الملتوية الرخيصة.
استطاعت الثورة أن تحقق أهدافها على المدى القريب، ولكن بقيت أهدافها طويلة الأجل تراود الشعب المصري فتقترب حينا وتبتعد أحيانًا، وبقي الفساد يطارد أحلام الشباب الحر، ولا زالت الوساطة والمحسوبية وظروف الحياة القاسية تفرض نفسها على حياة الشعب المناضل!
ارفع رأسك عالية، أنت المصريّ
الضارب في جذر الماضي، والعصريّ
ارفع رأسك عالية، أنت المصري
الصامت صبرًا لا إذعانًا
بل تطويلا للحبل الشانق كلّ بغيّ
لا جُرتَ على جارٍ، لا لوثت مياه النيل، ولا أنكرتَ نبيّ