من الضعفاء الذين أمرنا الإسلام بالإحسان إليهم وبرعايتهم؛ وحرَّج النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- على حقهما؛ المرأة واليتيم.
قال النبي -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام-، في صحيح ابن ماجه «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة». يعني أجعل من تعدى عليهما في حرج؛ يعني له عقوبة وعليه إثم. وذلك لعظيم حقهما عند الله -تبارك وتعالى-.
والمرأة واليتيم لهما حقوق في الإسلام كثيرة وعظيمة، ولكن أنبه على أمر بسببه وقعت العداوات والخصومات والشحناء في كثير من بيوت أمة النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه- ألا وهو أمر الميراث.
أكل ميراث المرأة واليتيم
فلا نرى اليوم مشكلة ولا خصومة ولا عداوة ولا قطيعة إلا بسبب الميراث. عِلمًا بأن الذي حدده ووضحة وجعل لكل وارثٍ حقَّه ونصيبه هو الله -تبارك وتعالى-. أي أنه ليس هناك اجتهادات لأحد من العالمين، وإنما نزل به جبريل من عند رب العالمين على قلب النبي الأمين وبلغه -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين.
جعله الله تعالى نصيبًا مقدرًا معلوما معروفا مفروضًا.
فليس سًنَّة ولا منَّة منك أن تعطي اليتيم حقَّه، ولا أن تعطي أختك حقها، ولا أن تعطي أخيك حقه؛ وإنما نصيبا مفروضا، نصيبًا حدده الله -تعالى- وفرضه على العباد.
من أكل مال اليتيم أو جحد المرأة حقها فإننا يأكل حرامًا. ولقد قال ربنا -تبارك وتعالى- محذرًا إيانا من مال اليتيم، قال في سورة النساء ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾.
هذه آية، ليست حديثا. حتى لا يقول قائل هذا حديث ضعيف، هذا حديث منسوخ؛ وإنما هو نص من كلام ربنا -تبارك وتعالى-.
هناك تركة وهناك إخوة، منهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الصغير؛ الغني لا يُمنَع بعض حقه لغناه، والفقير لا يأخذ أكثر من حقه لفقره، والصغير لا يأخذ كثيرا لصغره. وإنما الكل يأخذ بقسمة الله -تعالى-؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومن تبرَّع لأخيه بعد معرفة حقه وامتلاكه، فهذا فضلٌ منه على أخيه. من باب ﴿تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.
أما هذا غني، رُزِقَ بأرض ومال وراتِب كبير، فيأخذ نصف ما له فقط! فهذه ليست بقِسمةٍ ولا شرع.
ظلم البنات في الميراث
كذلك -عباد الله- ما يقع من أمر ظلم البنات في الميراث؛ بأن نمنع المرأة حقها ونجبرها على أن تأخذ ذلك مالا، ليس من حق مجلسٍ عرفي، ولا من حق شيخ، ولا من حق قريب أو بعيد أن يجبر المرأة على بيع حقها. وإنما تبيع بطيب خاطرٍ وبطيب نفس، ولا بيع إلا بعد أن تعرِف حقها.
كذلك إذا حكم المجلس أن تبيع المرأة ميراثها بنصف ما يباع. يعني إذا كان القيراط بـ20.000 والمجلس حكم بـ10.000 فقط؛ لماذا؟ لأن هذا ميراث، أهذا حكم الله -تبارك وتعالى-؟ مالكم كيف تحكمون؟ من الذي شرَّع ذلك وحكم به؟
يقول هذا ميراث، وإذا اشتراه الأخ وباعه في صباح اليوم التالي؛ هل يبيعه على أنه ميراث؟ أبدًا، بل يبيعه بسعر حُر -كما يُسمَّى-.
فينبغي أن تبيع بالسعر الذي يشتري به ويبيع به أهل هذا المكان؛ بسعر اليوم، وبعد أن تعرف حقها.
فإذا كان لها 100,000 مثلا وتنازلت لأخيها بطيب خاطر وبطيب نفس عن مالها جميعا، فلها ذلك. وأما أن تُجبَر على البيع أو أن تُجبَر على أن لا تأخذ، أو أن تُحْرَم المرأة أو أن تحرِم أخيك من الميراث أو أن تنقصه بعض حقه وأنت تعلم أن له حق؛ أنت تخالف شرع الله، أنت بذلك تعاند وتصادم شرع الله -تبارك وتعالى-.
قال -تعالى- ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾. فإن كانت التركة قليلة يسيره أو عظيمة كثيرة فلها ميراث.
كانت المرأة تصنع عجينا لتصنع منه خبزًا، فجائها الخبر أن الزوج قد مات؛ فرفعت يديها وغطت عجينها، وقالت: لقد أصبح لنا فيه شركاء.
تأخير توزيع الميراث يؤدّي الخلافات والشحناء
ولا يجوز لأحدٍ أن يؤخر تقسيم التركة حتى يكبر الصغير أو حتى يتزوج العازب؛ لأنه عندما يكبر الصغير ساعتها سيموت الكبير، هذا الطفل الصغير يأخذ كما يأخذ الكبير.
الكبير عنده أولاد وله التزامات وعليه حقوق، والصغير كذلك أمامه طريق طويل. هذا يأخذ كهذا؛ حتى ولو كان طفلا رضيعا، شرع ربك -تبارك وتعالى-.
وأما تأخير التقسيم فتحدث بسببه النزاعات والخصومات وتتغير القلوب، وتحدث بسببه الفرقة، ثم بعد ذلك إذا أردنا أن نوزع يوما من الدهر يحدث الخلاف؛ هل بسعر اليوم أم بسعر يوم أن مات الميت؟
وتحدث أمورٌ لا تُحمَد عقباها.
يا عباد الله، يا أمة محمد؛ شرع ربنا -تبارك وتعالى- واضح، ونصوص القرآن لا تحتاج إلى تأويلٍ ولا إلى تحريف واجتهاد ولا تغيير. والقِسمة معلومة يعرفها الصغير والكبير، والعالم والجاهل. فما لكم كيف تحكمون! وإلى أي طريق تسيرون؟ ولماذا على أموال غيركم تعتدون؟ ولما لا تستحقون تأخذون؟ أبهذا تحكمون؟
أكل ميراث اليتيم
إنه أمرٌ واضحٌ لا اجتهاد فيه، فأعطوا كل ذي حق حقه. المرأة من الضعفاء، وكذلك اليتيم من الضعفاء؛ لا يجوز لأحدٍ أن يتعدى على ماله أو أن يهدره أو أن يأكل منه بغير المعروف.
قال -سبحانه- في سورتي الأنعام والإسراء ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. بل ينبغي على العبد أن يسعى في الحفاظ عليه وفي تنميته وأن يحرص تمام الحرص ألا يدخل في بطنه ولا في جيبه درهمًا من مال يتيم.
وكذلك المرأة؛ فإنها ضعيفة، وأما أنها ستأخذ مالنا لغيرنا، أو لرجل غريب!
أي غرابة؟ أليس هذا الغريب هو الذي يصون عِرضَك؟ أليس هذا الغريب هو الذي يحفظ شرفك؟ صار عند قسمة المال غريبا؟ لم حضر المال صار غريبا؟ أليس أولاده أنت لهم خال؟ والخال -كما نقول- بمنزلة الوالد!
أمر فظيع، عَجَب عجاب يحدث بين المسلمين بسبب الميراث. فأعطوا كل ذي حق حقه واطلبوا البركة من الله -تبارك وتعالى-؛ لأن الحرام إذا دخل على الحلال نسفه.
واقرأ هنا أيضًا: ليس منا “تحريم وتخويف”