انتهت القصة، وحصلت قطر على شرف تنظيم مونديال 2022، كاسبة الرهان من أمام القوة العظمى للعالم أمريكا، وأكثر الدول تطورا من الناحية التكنولوجية: اليابان.. فازت قطر التي تبلغ مساحتها 11.400 كيلومتر مربع تقريبا، على أمريكا التي تبلغ مساحتها أكثر من 9 ملايين، واليابان التي تتخطى مساحتها حاجز الـ 300 ألف أيضا، بعد أن تخطت كل المعوقات، وأثبتت للعالم أجمع أنه لا شيء مستحيل، وأن قطر بمساحتها الصغيرة قادرة على التفوق على الجميع.. ربما لأنها فعليا أكثر الدول تطورا في العالم، فلم تنفع التقنية اليابان، ولا المساحة والقوة أمريكا.
ملف قطر لم يكن يستحق أن يطلق عليه ملف «طموح» بقدر ما كان ملفا «أسطوريا» أجزم بأنه الأفضل على الإطلاق من بين كل الدول التي استضافت المونديال في السابق، لأنها في نهاية الأمر تعد أصغر دولة حظيت بشرف التنظيم، وحققت «المهمة المستحيلة».
الآن علينا أن نرى كيف تبرهن قطر على أنها دولة تملك إمكانيات «خارقة» للعادة، عندما تبني جسورا مخصصة لنقل المشجعين وبعثات المنتخبات إلى الملاعب، بعيدا عن الزحام، واضعة أفضل الحلول لحل معضلة المساحة.. سنرى أيضا كيف تكون الملاعب بدرجات حرارة ثابتة «12 درجة مئوية» لتتغلب قطر أيضا على ظروف الطقس لديها. وفوق هذا كله.. هناك مدن إضافية سيتم بناؤها في وسط «البحر»، والمدة الزمنية لكل ذلك لن تتخطى سبعة أعوام، أي إن قطر ستنهي كامل استعداداتها قبل بدء مونديال 2018 في روسيا.
الغريب في الأمر أن اليابان وضعت كل طاقتها لكسب ملف التنظيم وقالت إنها مستعدة ليكون مونديال 2022 الأكثر من ناحية المتابعة في العالم، وقالت أيضا إنها خصصت كاميرات خاصة لنقل الحدث تظهر اللاعبين بأحجامهم الطبيعية، وأمورا أخرى، وعلاوة على ذلك ملاعبها جاهزة منذ الآن، ولكن ذلك لم يكن ليساوي شيئا أمام قطر.
الأكيد الآن أن علينا الانتظار حتى 3022 لنرى دولة أخرى في الشرق الأوسط تنظم أكبر حدث رياضي على الإطلاق، لأن قطر بدت وكأنها سبقت كل من حولها بـ «سنين ضوئية».
يعتبر تنظيم كأس العالم لكرة القدم امتيازا تتسابق الدول للحصول عليه، لما يعنيه من عوائد بشرية ومادية وثقافية وحتى سياسية. من كان يتصور حتى قبل أسابيع أن تحظى دولة عربية بهذا التفويض الدولي من أكبر منظمة غير حكومية في العالم (الفيفا)؟
هي الإرادة والتصميم وحسن التخطيط والإعداد، إضافة إلى توظيف الكوادر البشرية، ولقد أعطتنا قطر الشقيقة دروسا في ذلك. إن مشاهد فرحة أمير قطر مع أبنائه وأسرته والصيحات والدموع التي حركت معها مشاعر الخليجيين والعرب والمسلمين، والفرحة بهذا الإنجاز تسكن اليوم قلب كل خليجي ومسلم، مع الدعوات بأن يوفق الله أشقاءنا القطريين للإعداد لهذا الحدث العالمي الكبير؛ فالمهمة كبيرة ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وكلنا اليوم قطريون.
يبقى أن نذكر بأن تجمعا عالميا كبيرا كهذا يترافق مع فعاليات جانبية، وتواجد مئات الجنسيات لمتابعة أكبر المسابقات العالمية، كل ذلك وغيره يعد فرصة لقطر ولنا جميعا لنقدم هويتنا وأسس حضارتنا وثقافتنا العربية الإسلامية، بل وقضايانا للعالم بطرق غير مباشرة، وهذا ما تحرص عليه الدولة المنظمة.
حفل الافتتاح بحد ذاته رسالة إلى العالم تعرض أوجه حضارة البلد المضيف وثقافته وهويته، بالإضافة إلى الفعاليات والمعارض والأسواق الشعبية والمرافق المختلفة، كل ذلك يقدم هوية البلد، والقطريون لن تفوتهم أهمية ذلك. حق لقطر أن تفخر بهذا الإنجاز، وكخليجيين وعرب سرى إلى قلوبنا وعقولنا ذلك الفخر، أولا لقرب المسافة كالجار حين تصل مسامعه زغاريد الفرح وصيحاته عند جيرانه، وثانيا كما قلت: قطر منا ونحن منها. ونأمل أن يستفيد من أراد العمل بجد للإنجاز من الدرس القطري، و«قدها يا قطر».
بقلم: عمر الرشيد
لديّ بعض المقترحات هاهُنا عزيز القارئ..