الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، جَعَلَ حَرَكَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِمِقْدَارٍ، ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾~[2]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، الدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وَدِقَّةِ تَدْبِيرِهِ وَحِكْمَتِهِ، قَالَ ﷻ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾~[3].
فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ بِنَا، وَنِعْمَةٌ مُسَخَّرَةٌ لِاسْتِقْرَارِ حَيَاتِنَا، قَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[4].
فَأَصْحَابُ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ؛ يَتَفَكَّرُونَ فِي هَذَا الْكَوْنِ الْعَظِيمِ، فَيَسْتَحْضِرُونَ عَظَمَةَ الْخَالِقِ ﷻ، الَّذِي سَيَّرَهُ وَقَدَّرَهُ، فَتَنْبِضُ قُلُوبُهُمْ بِإِجْلَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَتَنْطَلِقُ أَلْسِنَتُهُمْ بِتَسْبِيحِهِ وَتَهْلِيلِهِ، ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾~[5].
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ كُلَّ مَا يَطْرَأُ عَلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنْ تَغَيُّرٍ؛ فَهُوَ بِحِكْمَةِ اللَّهِ ﷻ وَإِرَادَتِهِ، فَقَدْ يَحْجُبُ الْقَمَرُ قُرْصَ الشَّمْسِ عَنِ الْأَرْضِ أَثْنَاءَ سَيْرِهِ فِي مَدَارِهِ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِالْكُسُوفِ، وَهُوَ حَدَثٌ كَوْنِيٌّ عَظِيمٌ، يَحْدُثُ بِأَمْرِ اللَّهِ ﷻ.
وَقَدْ سَنَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ ﷻ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَصِدْقِ التَّضَرُّعِ وَالرَّجَاءِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ ﷻ بِالصَّدَقَاتِ، وَسَائِرِ الْقُرُبَاتِ، فَعَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ[6]. أَيْ: لِلصَّلَاةِ.
وَهَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِرَبِّنَا؛ اقْتِدَاءً بِنَبِيِّنَا ﷺ، فَلْنُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﷻ وَاسْتِغْفَارِهِ وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الصَّدَقَاتِ، وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، وَلْنُقْبِلْ عَلَيْهِ ﷻ بِالدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ يَا لَطِيفًا بِعِبَادِهِ، وَيَا رَحِيمًا بِخَلْقِهِ، نَسْأَلُكَ اللُّطْفَ بِنَا فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتكَ، وَتَمِّمْ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ، وَهَبْ لَنَا نَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، تُؤْمِنُ بِقَضَائِكَ، وَتَرْضَى بِعَطَائِكَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاكْلَأْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ الشَّيْخ مُحَمَّد بْن زَايِد وَنَائِبَهُ وَإِخْوَانَهُ حُكَّامَ الْإِمَارَاتِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
- [1] مَوْعِظَةٌ تقرأ بعد صلاة الكسوف.
- [2] سورة الزمر: الآية 5.
- [3] سورة يس: الآيات 38 – 40.
- [4] سورة النحل: الآية 12.
- [5] سورة آل عمران : الآية 191.
- [6] متفق عليه واللفظ للبخاري.