في يوم ميلاد المصطفى عليه الصلاة وأذكى السلام، ولدت ملامح جديدة للحياة وبداية جديدة، حيث أراد الله للطغيان والظلم والتوغل في الجهل أن يتوارى، وأراد للضياء والأمل أن يبرز، ولقيم الحرية والعدالة أن تأخذ مكانها، أراد الله بمولد حبيبه ومصطفاه أن ينقذ عباده من ظلمات الجهل، وينير حياتهم الدنيوية والأخروية بالعلم والمعرفة، فجعل رسوله الكريم ونبيه الأمين هو من يحمل تلك الأمانة.
الاختبارات والمحن ودروس العزيمة
منذ اللحظات الأولى من حمل السيدة آمنة بنت وهب بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وعلامات النبوة والدلائل التي تبشر بأنه سيكون له شأن وأنه سيغير وجه العالم، تتوالى، وقد بشر به عيسى عليه السلام، وكان الرهبان والأحبار وكبار علماء المسيحية يعلمون أنه سيبعث في شبه الجزيرة ومن نسل اسماعيل عليه السلام نبي وأنه سيكون نبي آخر الزمان، حتى أن ورقة ابن نوفل كان يقول أنه لو أدركه ليتبعنه وليؤازرنّه.
وبداية من الحمل به -صلى الله عليه وسلم- بدأت سلسلة من الاختبارات والامتحانات والشدائد التي لا يمكن لأحد أن يتحملها، إلا من كان ذا عزم شديد وإرادة حديدية.
فقد كان أو الحرمان حرمانه –صلى الله عليه وسلم– من نعمة الأبوة حيث توفى أبوه وأمه حبلى به، وولد في بيت ابن عمه، ونشأ في رعاية جده عبد المطلب، ولم تدم مرافقته لأمه كثيرا فقد ارسله جده إلى البادية لترضعه حليمة السعدية وكانت عادت العرب أن تفعل ذلك، مع الأطفال حتى يكتسبوا القوة والمنعة، ثم عاد إلى أمه بعد الفطام، ومكث في كنفها بضع أعوام وقبل أن يشبع منها أو ينال منها ما يكفيه من الحنان والمساندة، اقتضت ارادة الله وحكمته أن تنتقل أمه إلى الرفيق الأعلى وهو لا يزال طفلا صغيرًا تتعثر أقدامه، وتتلعثم الكلمات على شفتيه، فقدها وهو في أشد المراحل احتياجًا إليها، ليصبح بذلك يتيم الأب والأم، ولتربيه الحياة بكل ما فيها من القسوة والعنت لينشأ قوي الإرادة صلبًا رجلا على حق، وكيف لا وهو المعد لحمل أمانة ينوء بحملها أشد الرجال، أمانة التبليغ والدعوة إلى الله وحده، والدعوة إلى التحرر من قيود ظلت تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.
حادثة شق الصدر
من الحوادث التاريخية التي وثقتها كتب السنة والتي تنطوي على معان ومقاصد جليلة، وتطوي على إشارات هامة وواضحة لكل ذي لب، حادثة شق صدره الشريف عليه أفضل الصلاة والسلام- وقد وردت في كتب السنة والسيرة أكثر من رواية، في بيانها، تعبر جميعها عما حدث للنبي، وتنص جميعها على أن النبي صلى الله عليه وسلم- كان يلعب مع الغلمان فجاءه جبريل عليه السلام- فأخذه وشق صدره الشريف واستخرج منه قلبه فاستخرج منه علقة، وقال هذا حظ الشيطان منك، وآتى بطست فيه ماء من زمزم وغسله وأعاده إلى مكانه وأغلق صدره، فظن الغلمان أنه قتل، فعاد إليهم وهو متغير الوجه مما حدث.
وتذكر كتب السُنَّة اختلافا في زمن وقوع تلك الحادثة غير أن أشهر الأقوال وأقربها إلى الصواب أنها حدثت في ديار بني سعد وهذا يعني أنها حدثت في فترة رضاعه -صلى الله عليه وسلم- وتلك الحادثة تعد من ضمن ارهاصات النبوة التي ظهرت في طفولة النبي -صلى الله عليه وسلم- لتهيئه وتهيء المحيطين به لما ينتظره من البعثة والنبوة، وهي عصمة للنبي صلى اله عليه وسلم ومنعة من الشيطان ووساوسه ونزعاته.
بعض الطوائف أو الفرق تنكر تلك الحادثة بينما يؤكدها اهل السنة والجماعة، ويستدلون عليها بآيات سورة الشرح حيث يقول جل وعلا: (ألم نشرح لك صدرك ٭ و وضعنا عنك وزرك ٭ الذى أنقض ظهرك ٭ و رفعنا لك ذكرك ٭ فان مع العسر يسراً ٭ ٳن مع العسر يسراً). وهذا غيض من فيض من الحديث عن مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وطفولته ونشأته.