أيها الأحبة؛ الله ﷻ أيَّد الأنبياء والمرسلين بالمعجزات. فالمعجزة هي أمر خارِقٌ للعادة، وليست أمرا خارقا للعقل. فالعقل يتقبل المعجزة ولو بعد فترة. إنما هي أمر خارق لما اعتاد عليه الناس. فالإسراء والمعراج معجزة حسية خارقة للعادة، مؤيدة لرسولنا المصطفى ﷺ.
تضيق الأرض… فتَتَّسِع السماء
أولا، مواسية لقلبه الشريف عليه الصلاة والسلام. فبعد عام الحزن وفقد الأحبة، وبعد ما لاقاه من أهل الطائف. جاء التكريم. ضاقت الأرض، وسعت السماء، وتوسعت أبواب السماء.
اشتد البلاء واشتد الضغط من الناس في الأرض. فُتِحت أبواب السماء التكريمية والتأييدية لرسولنا المصطفى ﷺ.
وهذا كما نقول دائما؛ إنما هو إشارة لأهل الحق ولأهل الإيمان ولأهل السَّير على الصراط المستقيم ولأهل التمسك بالمبادئ، مهما اشتدَّت عليكم الظروف فليكن الثبات هو العنوان، والتأييد والفرج يأتي بعد ذلك من الله ﷻ. المهم أن يبقى الإنسان ثابتًا على مبادئ الحق التي ترسَّخت في ذاتها وترسخت في قلبه وهو يتمسك بهذا الحق.
مهما اشتدت الظروف، ومهما اشتدت المؤثرات التي تحاول أن تنحرف بالإنسان عن الحق؛ اثبت أيها المؤمن.
يا صاحب الحق كن ثابتا.
تكريم النبي
الله ﷻ كرَّم النبي ﷺ في معجزة الإسراء والمعراج، وهي تنطِق بلسان حالها؛ بأن الذي يخبر به رسولنا المصطفى ﷺ هو حقٌ من عند الله ﷻ.
المعجزة تؤيد صاحب الرسالة؛ فعندما تكون معجزة لرسول تقول المعجزة بلسان حالها: أنا مصدقة ومؤيدة لما يتكلم به عن رب العزة ﷻ.
عقيدة التوحيد الواحدة
يصلي رسولنا المصطفى ﷺ إماما بالأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى. هنا عدة أمور مهمة: أهمية المسجد الأقصى. والربط ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، لأنها قضية عقيدة، وقضية دين، وقضية وحي، وقضية وِحدة عقيدة بدأت من سيدنا آدم “عليه السلام” إلى سيدنا محمد ﷺ.
كل الأنبياء -أيها الأحبة- جاءوا بعقيدة التوحيد الواحدة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ). كل الأنبياء والمرسلين جاءوا بعقيدة توحيدية واحدة. لأن العقيدة المتعلقة بالحَق المُطلق، المتعلقة بذات الله ﷻ، المتعلقة بعالم الآخرة وبعالم الغيب؛ هي حقيقة واحدة، لا اجتهاد فيها.
إنما الاجتهاد في الشرائع، في التطبيقات. كل أمة من الأمم من أتباع الأنبياء صلوا بطريقة مختلفة، وصاموا مختلفة. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ). ولكن ما كانوا يصومون كما نصوم نحن في شهر رمضان. كان لهم صيام، ونحن لنا صيام.
أما العقيدة المتعلقة في معرفتنا بالله ﷻ، ومعرفتنا بعالم الآخرة وعالم الغيب هي عقيدة واحدة، جاء بها كل الأنبياء.
فصلاة الرسول ﷺ إماما بالمتبوعين الذين هم الأنبياء والمرسلون، فيه إشارة عظيمة إلى أن نبينا ﷺ هو أمام المتبوعين. ومن باب أولى هو أمام التابعين من الأمم والبشر.
فرضيَّة الصلاة
ثم كان المعراج -أيها الأحبة- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الإسراء.
أيضا وصل وربط لكل هذه المواقع التي في حياة الإنسان المسلم جذوره التاريخية، وجذوره الثقافية، وجذوره العقدية؛ المعراج إلى السماء. حيث وصل رسولنا المصطفى ﷺ إلى مراتب علية، ما وصل إليها أحد من البشر. وأعطى أمته بابا عظيمًا من معرفة معراج الروح من الصلاة التي فُرضت في السماء بصورة معينة وأوقات معينة.
إلى الأحوال التي تكلَّم عنها رسولنا المصطفى ﷺ، إلى المشاهِد العليَّة التي تعطي بابا واسعا -كما ذكرنا- للمؤمن أن يعرج بروحه إلى أعلى المراتب. لأننا -للأسف- في هذا الزمن، حتى التدين تحول إلى تدين مادي؛ إلا من رحم الله. فيه خواء وفيه فراغ من المعاني الروحية، من المعاني الرقائقية.
ترى الناس ولا يصلون، ترى الناس تقرأ القرآن -أو بعض الناس يقرءون القرآن- ولا يقرءون.
في المعراج ينبهنا ربنا ﷻ في هذه المعجزة التي حصلت للنبي ﷺ. بأننا ينبغي أن نكون ربانيين. نعرج بأرواحنا إلى أعلى المراتب.
فالصلاة التي ينبغي أن تكون محركة لكياننا ونفوسنا. ينبغي أن مِعراجا لأرواحنا. تحتاج صلاتنا للخشوع، لحضور القلوب. نحتاج إلى كثير من الصمت، حتى ترقى الأرواح. كثر فينا الكلام، وكثر فينا الهرج والمرج، حتى ضعفت المعاني الروحانية. حتى أنك تجلس في بعض الأحيان في بيئة ينبغي أن تكون بيئة ذِكر وطاعة؛ فإذا فيها جفاء في القلوب، وإذا فيها قسوة.
تنبيهات المعراج
المعراج ينبهنا أن نشتغل على قلوبنا؛ قلوب رقيقة، قلوب مؤمنة، دمعة من خشية الله سخية، حضور القلب مع الآخرة، حضور القلب مع عالم الغيب، الاستعداد للقاء الله ﷻ، نمشي في الدنيا نعمرها؛ لأن الله ﷻ استخلفنا فيها، وأرواحنا تحلق هناك في عوالم الآخرة، وتشتاق إلى عالم الجنة. إلى بيئة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
أُناس يمشون على الأرض وأرواحهم قد عرجت إلى أعلى المراتب في السماء.
على مثل هذا يكون النصر والتأييد والتغيير. ولمثل هذا يكون الفتح من الله ﷻ.
ينبغي علينا -أيها الإخوة، أيها الأحبة- أمام معجزة الإسراء والمعراج أن نستحضر هذه المعاني. هي معانٍ كثيرة. ذكرنا بعضها. أن نعيش معها. الله ﷻ جعل هذه الشواهِد وهذه الحوادِث في حياة رسولنا المصطفى ﷺ، ورسخها في القرآن الكريم في آيات أنزلها الله ﷻ حتى تبقى لنا مرشدا وموجها في حياتنا.
نُعَلِّم أولادنا عن الإسراء والمعراج، نعيش هذه الحادثة وهذه المعجزة انعكاسا في سلوكنا وفي حياتنا وفي تطبيقاتنا.