ثورة ٢٥ يناير
مهما بدا للناظر أن مصائر البلاد بأيدي حكامها وقاداتها، فإن التاريخ بطوله وعمقه يؤكد أن مقدرات البلاد تصنعها أيادي أبنائها جنبًا إلى جنب مع حكامها وقاداتها، فحين تستشعر الشعوب الخطر وترى أن مستقبلها مهدد بالسرقة والاغتيال، تثور وتتمرد وتعترض مهما كلفها هذا من التضحيات والخسائر، ومصر ليست ببعيدة عن هذا المسار ولا شاذة عن تلك السنة، فكم مرة ثارت مصر وصار أبناؤها، وأعلنوا العصيان ورفض الطغيان؟
وهنا ونحن بصدد الحديث عن ثورات الشعوب وإرادتها الحرة يجدر بنا أن نتخذ من ثورة الخامس والعشرون من يناير مثالًا حيًا ونموذجًا تاريخيًا يجب أن يدرس بكل ما فيه من الوقفات الهامة، والطرائف والمواقف والدروس والعبر التي نقلتها للعالم بأسره.
عن ثورة 25 يناير
إن ثورة 25 يناير أو ثورة الغضب أو أن شئت فسمها ثورة التحرير كما يسمها البعض، هي ثورة شعب صبر على ظروف بالغة القسوة من البطالة والفقر والمعاناة وضيق ذات اليد، على أمل أن يتغير هذا الوضع ويتحسن للأفضل، وعلى أمل أن يحمل الغد بارقة أمل وأن يبشره بحياة أفضل.
كان صابرًا وواثقًا أن هذا واجبه نحو وطنه وأن تلك قضيته، وأنه يكافح ويشارك بذلك في بناء وطنه ونهضته، حتى رأى ولمس معاني الظلم الاجتماعي والسياسي وبدأ يرصد قسوة الواقع الذي صنعه النظام على كل جوانب الحياة، ففتح الشعب أعينه على أكثر من سبب وأقوى من دافع يدفعه للتمرد والخروج وإعلان الغضب ولعل من أهم الأسباب في تلك الثورة استبداد الشرطة والسلطات التنفيذية والحكومات بالصلاحيات الغير محدودة والتي سوغت لهم منع وتقييد حرية الرأي وفرض الحصار بكل صوره على كل فكر جديد معارض للنظام وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير حادثة مقتل الشاب خالد سعيد على أيدي رجال الشرطة بعد تعرضه للتعذيب، وقد مثلت تلك الحادثة القهر والظلم والجور الذي بلغ ذروته ضد المواطن المصري.
لم تكن حادثة مقتل خالد سعيد سوى ضوء قوي سلطته الشرطة بنفسها على كل الأوضاع الحقيقية القاسية التي يعيشها الشعب اللمصري، والذي خرج في تجمعات شبابية متنوعة، بمطالب محددة غير أن ردة فعل النظام ساهمت في زيادة أعداد المتظاهرين وتعزيز التعاطف مع غضب الجماهير ومن ثم زيادة سقف المطالب، فبينما كانت المطالب تتلخص في المطالبة بحقوق المواطن في المحاكمة القانونية العادلة والتعامل الإنساني والآدمي من رجال الشرطة، ثم المطالبة بحياة اجتماعية تنطوي على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتنبذ الوساطة والرشوة والفساد بكل صوره، فقد تطورت للمطالبة بعزل نظام الحكم المتمثل في رئاسة “محمد حسني مبارك” تلك الرئاسة التي بدأت منذ عام 1981 وظلت تحتل عرش مصر رغمًا عن كل قوانين ومنطقيات الديمقراطية، فقد انتبه الشعب أخيرًا من غفلته وبدأ يدرك أن كل معاناته ترجع في المقام الأول إلى نظام الحكم القمعي الذي لم يراعي حقوق المواطن ولم ينتبه لها وظل يمارس غطرسته ضد الشعب لسنوات وسنوات.
الفساد وسوء الإدارة وتدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت جميعها تدفع بالشعب المصري بكل طوائفه واتجاهاته السياسية والفكرية إلى إعلان الغضب والثورة على النظام والمطالبة بالإطاحة به والسعي إلى صناعة مستقبل جديد بمفردات جديدة تؤمن للأجيال القادمة الحد الأدنى من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن!
لأنه ليس دائمًا تأتي الرياح بما تشتهي السفن فقد جاءت الرياح بما شتّت سفن الثورة وفرق بين أصحابها، وأربك سيرها وجعلها تحيد عن اتجاهها المرسوم منذ البداية لتخلف ورائها كم لا يستهان به من التبعات والمعاناة.