باذِلا قصارى جهدي أتيتكم؛ ومعي موضوع تعبير عن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة. أسوقه إليكم بمناسبة ذكرى هجرة نبينا الحبيب ﷺ التي أُمِر بها من حيث بدأ بعثته الشريفة في مكة، إلى الملاذ في المدينة المنوَّرة.
مقدمة
لازال العالم الإسلام والمسلمون في كل أرجاء الأرض يتذكرون حادثة الهجرة النبوية الشريفة التي قام بها المصطفى ﷺ من مكَّة المكرمة إلى المدينة المنوَّرة، وذلك مع بداية كل عامٍ هجريّ جديد.
نعم؛ كيف لا يكون هذا هو التقويم الهجري، ولا تكون هذه المناسبة أحد المناسبات العِظام في تاريخنا الإسلامي؛ وقد حدث فيها ما حدث؛ وتركت في نفوس وعقول المسلمين كل تلك الدروس والعبر التي يجب أن نتدارسها ونتعلَّم منها ما حيينا!
الأمر أمر الله
حين نتأمّل حادثة الهجرة النبوية الشريفة، من مكة إلى المدينة، نجد من دروسها أن الله ﷻ في كتابه العزيز، بيّن أن الفِعل هو فِعل الله ﷻ، وأن الأمر أمر الله ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾. وفي الآية الأخرى يقول ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
فالفعل أولا وأخيرًا لله رب العالمين. ومع ذلك؛ أعطانا الله ﷻ دروسًا وعِبرًا، لتكون زادا ينفعنا في التقرب إلى الله، وفي استحقاق عون الله، وفي استحقاق توفيق الله، وفي استحقاق نصر الله ﷻ.
فالهجرة النبوية الشريفة كانت نصرًا، ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾.
يقين النصر
وحين نتدبر هذا النصر نجد أنه كان نصرًا للنبي ﷺ على أعدائه الذين تربصوا به وأرادوا قتله، فنجاه الله ﷻ منهم. وحين ننظر كيف صنع الله برسوله ومع رسوله ﷺ، نجد أن النبي ﷺ أحاط ببيته -وهو في داخله- مجموعة من شباب قريش، من فتيان القبائل، يمسكون العصي والهراوات والسيوف؛ ينتظرون أن يفتح الباب ليضربوه ضربة رجل واحد. لكنه ﷺ فتح الباب، وخرج من الباب، وأخذ حِفنة من الحصى والتراب، ووضع على رأس كُلِّ واحدٍ من المتربصين بعضًا من هذا التراب؛ ثم رمى بما في يده وجوههم وقال ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾.
وسار إلى بيت أبي بكر ولم يشعروا به، حتى مَرّ بهم بعض الناس، فوجدوهم جالسين هذه الجِلسة، وعلى رأسهم التراب. فقالوا لهم: لماذا جلستم هاهُنا؟ قالوا: جلسنا ننتظر خروج محمد لنقتله. فقال لهم الناس: شاهت وجوهكم؛ إن محمدا قد خرج، وما ترك واحدة منكم إلا وضع التراب على رأسه.
حماية ورعاية من الله
ثم سار حتى دخل بيت أبي بكر، وحينما أراد أن يخرج من بيت أبي بكر -رضي الله عنه-، اتفقا أن يخرجا من خوخة في خلف الدار [خوخة: يعني فتحة في الجدار ضيقة]. وخرج النبي ﷺ -كما تروي عائِشة بنت قدامة -رضي الله عنها- عن رسول الله ﷺ-.
وقد خرج النبي ﷺ -وأبو بكر- للهجرة من خوخة في الدار، متقنعا [معنى متقنع: يغطي رأسه ويلف وجهه ما عدا ظاهر الوجه والعينين، يلف العمامة أو يلف التلفيحة حول ذقنه الشريفة ﷺ].
يقول النبي ﷺ «لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل فأعمى الله عز وجل بصره عني وعن أبي بكر حتى مضينا».
هذه حماية من الله، هذه رعاية من الله.
ثم بعد أن سارا ووصل غار ثور.. القصة معروفة. يقول أبو بكر: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا. فقال «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما! لا تحزن إن الله معنا».
سراقة متحفزا.. ثم حارِسا
ثم في موقفٍ آخر، الرسول ﷺ بعد أن خرج من الغار، ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة، والدليل الذي كان على الشرك ليدلهما الطريق، لحِق بهما سراقة ابن مالك -وسراقة من فرسان العرب، ومن خبرائهم في القيافة؛ في معرفة الأثر على الطريق-، وكانت قريش رصدت مائة ناقة، لمن يأتي برسول الله ﷺ، ومئة لمن يأتي برأس أبي بكر أيضًا.
فالطمع في المكافأة دفع سراقة إلى أن يتعقبهما، وما أن وصل إلى المكان الذي يسير فيه الرسول ﷺ وصاحبه، حتى ناداهما. ولم يلتفت الرسول ﷺ.
منتهى الثقة، منتهى الطمأنينة، لأنه يعلم من الذي يحرسه، من الذي يحميه، من الذي يرعاه.
وساخت قدما الفرس في الأرض؛ وطلب سراقة من الرسول ﷺ أن يدعو الله ليرفع الفرس من بطن الأرض، ودعا الرسول ﷺ، وارتفعت الفرس.. مرتين والثالثه. فقال سراقة: أدع الله أن يرفع ولن أضركما. وبعد أن ارتفعت الفرس؛ قال سراقة: يا رسول الله -برغم أنه لم يسلم إلا بعد ذلك-، اؤمرني بما شئت. فقال له رسول الله ﷺ «أطلب منك ألا تدل علينا أحدا».
ورجع سراقة ليقول لمن يقابله: ليس محمد وصاحبه في هذا الطريق، ويرد الناس عن تعقب الرسول وصاحبه.
وكما يقول أنس ابن مالك -ليبين لنا الحكمة الإلهية-: كان سراقة في أول النهار جاهِدا -أي متحفزا- جاهدا على رسول الله وصاحبه، في عاد آخر النهار حارِسا للرسول ﷺ وصاحبه.
خاتمة
هكذا نصر الله نبيه، ونجّاه من أعدائه في مواقِف متعددة، بكيفيات متعددة. ليبين أن من التجأ إلى الله فلن يتركه الله ﷻ، وإنما سيحميه لحمايته وبرعايته.
وهكذا نتعلم المزيد والمزيد من الدروس والعبر التي نستخرجها تباعا من الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة.
كان هذا موضوع تعبير عن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة؛ سردنا لكم من خلالها مقدمة، ومحتوى مُعنصَر -بالعناصر- ثم خاتمة. كان كل هذا موثَّقًا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وما كان من الأثر في شأن هذه الحادثة العظيمة في التاريخ الإسلام.
وإذا أردتم المزيد؛ فلدينا أيضًا:
- هنا: محاضرة عن الهجرة النبوية
- وكذلك: آيات وأحاديث عن الهجرة النبوية من الكتاب والسُّنَّة
- ثم تجدون: مقال عن هجرة الرسول ﷺ
- وختامًا؛ مع: قصة الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة