يقول أحدهم عن الصداقة ومفهومها الحقيقي، والفرق بين الصداقة وبين اجتماع الناس حول المرء لغرض أو مصلحة، مبينا أن لحظات المحن هي التي تبين الصديق من غيره:
أَخِـلاَّءُ الـرِّجَـالِ هُـمْ كَثِيـرٌ وَلَكِـنْ فِـي البَـلاَءِ هُـمْ قَلِيـلُ
فَـلاَ تَغْـرُرْكَ خُلَّـةُ مَنْ تُؤَاخِـي َمَـا لَكَ عِنْـدَ نَـائِبَـةٍ خَلِيـلُ
وَكُـلُّ أَخٍ يَقُــولُ أَنَـا وَفِـيٌّ وَلَكِـنْ لَيْـسَ يَفْعَـلُ مَا يَقُـولُ
سِـوَى خِلٍّ لَهُ حَسَـبٌ وَدِيـنٌ فَذَاكَ لِمَـا يَقُـولُ هُوَ الفَعُـولُ
فالصديق الحق هو من تجده معك في شدتك ومحنك، هو من يؤتمن على سرك، ولا يفشي عيبك.
وبين المفهوم الحقيقي للصداقة وبين المفاهيم الأخرى من الزمالة أو الصحبة فرق شاسع، ومسافة بعيدة.
فالزمالة أو الصحبة أو الجيرة كلمات واسعة وفضفاضة وتصدق على كثير من الخلق، لكن الصداقة بمعناها الضيق ومقتضياتها من الوفاء والصدق والأمانة والتضحية والإيثار وغيره من المعاني لا تصدق إلا على أقل القليل من الناس.
صفات الصديق الحقيقي
الصديق الحقيقي له صفات معينة إن خلا منها خرج عن وصف الصداقة ولم يصدق عليه معناها، ومن أهم تلك الصفات ما يلي:
أن يكون صادق القول والفعل معك لا يخدعك، ولا يكذب عليك.
أن يكون أمينًا على كل ما يخصك، لا يحدث غيرك بما يعلمه عنك.
أن يحفظ غيبتك ويدافع عن عرضك ولا يجرؤ أحد أن يسيئ إليك في حضوره.
أن يكون محبًا للخير لك، ناصحًا أمينًا، لا يغشك أبدًا، يدلك على الحق ويأخذ بيديك إلى ما فيه صلاح حالك ومئالك.
أن يكون بجانبك إذا ألم بك خطب وتغير حالك، وأعرضت عنك الدنيا وأعطتك ظهرها.
أهمية الصداقة في حياتنا
قد يتساءل البعض: ترى ما أهمية الصداقة في حياتنا؟ ولماذا يعتبر وجود صديق في حياة الإنسان أمرا حيويًا ومستحبًا؟
وهنا سنجد الإجابة الشافية عن هذا السؤال.
الإنسان في مرحل حياته المختلفة يمر بمواقف صعبة ومحن قاسية، يحتاج إلى من يمنحه الدعم النفسي وأحيانًا المادي، ويحتاج إلى من يأخذ بيده ويفكر معه ، ويشاركه الرأي، وكل ذلك يحتاج إلى قلب محب ولا يتأتى إلا من صديق صدوق.
وأحيانًا يكون دور الصديق فقط متمثل في التعاطف والاستماع لصديقه، حين يمر بموقف ضعف ويكره أن يطلع الآخرون على ضعفه، أو يحدث معه ما يثير خجله ويهز ثقته بنفسه، هنا يكون استماع الصديق لصديقه دعمًا رائعًا يمكن أن يعينه على تجاوز المحنة.
الحاجة للصديق ليست قاصرة على المواقف الصعبة والمحن القاسية التي يخفف وجود الصديق من وطأتها، ويهون من قسوتها بل إننا نحتاج إلى جود الصديق حتى في لحظات التألق والسعادة والنجاح، نحتاج إليه ليشاركنا سعادتنا ويتقاسم معنا انتصارنا ونستمتع برؤية الرضا والإعجاب في عينيه، حين نكن في قمة تألقنا.
الصداقة تهون رحلة الحياة وكبدها
الصداقة حينما يحظى بها انسان تكون له بمثابة نبع لا نضب من الدعم والعطاء والعون، ومصدرا للأمان يرث القلب يقينا أن هناك قلب يستند عليه وقت الضيق، ويدتمتد إليه بالخير والمساعدة، وقلب لا يبخل عليه بالعطاء أبدا.
الصداقة تعني أن هناك من تتقاسم معه فرحتك وأحزانك وتودعه سريرتك بلا خوف ولا وجل، ولا قلق ولا ريبة.
الصداقة يعني وجود شخص يفهم صمتك حين تعزم على اخفاء ما بداخلك، ويعرف نقاط ضعفك فيعينك عليها، ويعرف مواطن الوجع في رحلتك فيخففها بقدر ما يستطيع.
الصداقة تعني شخص يهتم لهمك وينشغل بأمرك، ويفكر في مصلحتك، يحب لك الخير كما يحبه لنفسه، ويدفع عنك من الأذى الضرر ما يدفعه عن نفسه كذلك، ويدع لك بظهر الغيب في صلاته ولا يشغله عنك شاغل مهما كان، الداقة الحقيقية هي وجد ذلك الشخص في حياتك، وقدرته عل أن يفعل معك كل هذابللا مصلحة لا انتظار مقابل، ولا حتى كلمة شكر.
تأثير الصديق على صديقه
من أشد الناس تأثيرا على الشخص أصدقائه المقربين، فهو يتأثر بطباعهم ويأخذ بعض توجهاتهم ويتبنى أيضا بعض آرائهم وأفكارهم، لذا كان من الضروي أن ان يحسن الإنسان انتقاء من يتخذهم أصدقاء، ومن ينزلهم من نفسه منزلة الأخلاء، وقد أصى النبي –صل الله عليه وسلم- بحسن انتقاء الصديق فقال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
وأخيرا: اعلم عزيزي القارئ أن الخل الوفي عملة نادرة فإن انعم الله عليك به فأحسن إليها وحافظ علييه وأد حقها.