أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعفو؛ وبيَّن جزاءه الدنيوي قبل جزاءه الأُخروي. قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي كبشة الانماري -رضي الله عنه- (ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا).
وهُنا يُقطَع الطريق على الشيطان؛ فإن الإنسان إذا ظُلِم وإذا أُسيء إليه فأراد أن يعفو؛ رُبما قال له الشيطان ووسوس بأن في هذا إذلالًا لك وتضييعًا لحقك؛ لا تعفو، لا تصفح.
العفو عِزَّة
النبي عليه الصلاة والسلام يعدنا بأن الإنسان إذا ظُلِم فعفا، هذا العفو ليس فيه إذلال، بل يزيده الله -عز وجل- عِزَّة.
ومن رفع الله مقامهم في الدنيا والآخرة إنما كان ذلك بهذه الخصلة الحسنة الطيبة.
ذكروا أن راهبًا دخل على هشام محمد عبد الملك فسأله هشام، قال له: أكان ذو القرنين نبيّا؟ فقال: لا. قال له: فبِم بلغ ما بلغ؟ قال له: كان إذا حدَّث صَدَق، وإذا وعد وفى، وإذا قدر عفا، ولا يجمع عمل اليوم إلى الغد.
هذهِ خِصالٌ أربعة، كانت في ذلك الملك العادل -عليه السلام- أو -رضي الله عنه-.
عفو النبي ﷺ عمَّن أساء إليه
نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان العفو سجيَّة له. ومن قصيدة الشاعر أحمد شوقي؛ يقول:
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا
لا يستهين بعفوك الجهلاء
كان –صلوات ربي وسلامه عليه– كثير العفو عمَّن أساء إليه، رُبما يلقاه الأعرابي الجلف الغليظ فيجذبه من ردائه حتى يؤثر في صفحة عنقه، يقول له: أعطني من مال الله الذي عندك، ليس مالك ولا مال أبيك. فما يزيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن يتبسم.
أساء إليه أهل مكة، اتهموه بالجنون، أخذوا بيوته، آذوه في نفسه وفي أولاده؛ ومع ذلك لمّا أمكنه الله منهم، قال لهم: ما أقول لكم إلا كما قال يوسف لإخوته؛ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم؛ إذهبوا فأنتم الطلقاء.
وكثير من المواقف الأُخرى التي تُبيِّن ما كان من رسول الله ﷺ من عفوٍ وصفح وتسامح؛ ولا عَجَب؛ وهو ما بُعِث ليُتَمِّم مكارِم الأخلاق.