ديننا الحنيف دين الصفاء والنقاء والشفافية في أروع صورها، يرفض الغرر والغبن وينبذ الغش في كل صوره، ولا يبارك الله أي معالة انسانية أو مالية تقوم دعائمها على الغش والخداع، لذا أرسى نبينا قواعد الأمانة والصدق والمصارحة في جميع معاملاته وقال كلمات قصيرة المبنى خطيرة المعنى، في شأن التنفير من الغش، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (من غشنا فليس منا).
والمعنى أنه لا ينتمي إلينا نحن المسلمون، ولا يتخلق بخلقنا ولا يليق بالانتساب إلى ديننا، فالغشاش ناقص الدين سقيم الطبع، طماع جشع، لا يبالي بمضرة غيره.
وقد مر النبي في السوق ورأى طعاماً يبدوا أنه جيد فأدخل فيه يده فلمس بللا، فسأل البائع ما هذا: فقال أصابه مطر من السماء، فأمره بأن يضعه ظاهرًا ليعرف المشتر عيبه، فإن شاء اشتراه وإن شاء تركه.
لماذا حرم الإسلام الغش؟
حرم الإسلام الغش لعدة أسباب منها ما يتعلق بمن يفعل هذا الجرم نفسه، ومنها ما يتعلق بمن يحدث معه ذلك الأمر فكلاهما متضرر، والمجتمع الذي يقوم على الغش مجتمع فاسد ضعيف وعلة ذلك ما يلي:
- الإنسان الذي يكتسب مالاً عن طريق الغش يدخل في بند الكسب المحرم، وأكل أموال الناس بالباطل، فمن يدفع مالا نظير سلعة معينة يدفعه بناء على مواصفات معينة، فمتى كانت الحقيقة مخالفة لما اشترطه من الشروط كان المال المدفوع حراماً ولا يجوز أخذه.
- الغش يترتب علي الكثير من الأضرار التي تكون أحيانا قاتلة، فمثلا الغش في الأدوية والغش في مواد البناء، قد يترتب عليه نتائج كارثية كما نعلم جميعاً.
- الغش يمحق البركة ويصيب المال بالضرر أو الهلاك.
ما هي صور الغش الذي نهى عنه الإسلام
كل صور الغش محرمة أنكرها الشرع ولم يجزها بأي حال من الأحوال، فقد أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الناس غش اللبن وخلطه بالماء في عهده، مع أن ذلك الغش خطره محدود وضرره قريب، فما بالنا بما يشهده عصرنا من ألوان الغش التي تدمع لها العيون، وتنزف من وبشاعتها القلوب، ومن صور الغش التي حرمها الإسلام ونهى عنها ما يلي:
- الغش في الامتحانات: من أفدح أنواع الظلم حيث يحصل الطالب على درجة ليست حقه ولا تدل على مستواه الفعلي، فيغش بذلك المجتمع كله، ويغش نفسه من قبل.
- الغش في العلاقات وخاصة الزواج: من أقبح صور الغش أن يبدوا الإنسان سواءً الرجل أو المرأة بمظهر يخفي عيوبه، ويضفي عليه مزايا ليست فيه، من القول أو العمل أو المظهر، فيخدع بذلك الطرف الآخر ويورطه في علاقة مبنية على الكذب، فلا تلبث الحقائق أن تتكشف والعيوب أن تظهر، فيبدأ الشقاق، ويواجه المخدوع كارثة اختياره، ووالله لا يعمر بيتا قام على الغش أبدًا، بل تكثر فيه المشاحنات والخلافات وتتبدل المودة والرحمة إلى كره وضيق، وينهدم البيت على من فيه، ولو بين كل طرف حقيقته لأعفى نفسه وغيره من الأوجاع المتاعب التي تحدث عاجلاً أو آجلاً. فهي حادثة لا محالة.
- الغش في البيع والشراء: بأن يعرض البائع سلعته ويظل يزينها ويذكر من المزايا ما ليس فيها، فيحصل على أعلى ثمن من المشتري، وهو يعلم أن هذا الثمن ما حصله إلا بكذبه وغشه، وهذا حرام قطعاً.
- إخفاء عيوب السلعة التي يعلمها البائع: فلا يقتصر الغش في البيع على ذكر مزايا غير موجودة في السلعة، بل يشمل كذلك إخفاء عيوبها وعدم التصريح بها للمشتري، مما يجعله يقبل على شرائها وهو مخدوع فيها.
- خلط الجيد مع الرديء من السلع: ويكون ذلك في الحبوب والغلال ونحوها، هذا أيضًا منهي عنه، ويجب على البائع أن يعزل الجيد عن الرديء ويبيع كل على قدر جودته.
- الغش في الأطعمة: وللأسف فإن الغش في هذا الزمان لم يعد خلط الحليب بالماء، بل أضحى الغشاشون يخلطون الطعام بسموم ومواد مسرطنة تسبب الأمراض الفتاكة، ولا يبالون بما يجنى المجتمع جراء أفعالهم.
- غش الأدوية: ومن عظيم فجر الغشاشون أن طال غشهم الأدوية، فأصبحوا يغشون في المواد الفعالة ويغشون في تاريخ الصلاحية، فبدلا من أن يأخذ المريض دواءً يشفي علته ويخفف وجعه يأخذا سما يزيد معاناته ويتسبب في هلاكه.