المجتهد منهم يسعى ليكون متميزًا، وهذا التميز يحدث عندما يسعى الخطيب لإيجاد عناوين خطب الجمعة المميزة مُدرجة في دفتر الخُطَب الخاص به، والذي يقوم من خلاله بتحضير خطبه ودروسه.
ومن هذا المبدأ والمُنطلَق؛ نُقدم لكم اليوم خطبة مكتوبة بالكامل؛ ألقاها —في الأصل— فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي —جزاه الله خيرا— بعنوان: العبد بين الحسنات والسيئات.. العنوان مميَّز فعلا؛ أليس كذلك؟
مقدمة الخطبة
إِنَّ الحَمْدَ اللَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ له، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَمَّا بَعْدُ.. فإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة.
الخطبة الأولى
أَيُّها المُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَحدَنا حارثٌ هَمَّامٌ؛ يغدو ويروح في اجتلاب مصالحه في الدنيا والآخرة، وهو في حرثه وهمته بين حسنة يفعلها متقربا إلى الله وسيئة يقترفها مخالفًا أمر الله، فلا ينفك العبد من مخالطة الحسنات والسيئات في يومه وليلته.
كيف لا! وقد الله الله ذلك عملا وجزاء ففي الصحيحين من حديث الجعد أبي عثمان عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات» وكتاباته لها تشمل أمرين:
- أحدهما: كتابتهما قدرا على العبد أنه يفعل من الحسنات ما يفعل ويفعل من السيئات ما يفعل.
- والآخر: كتابته جزائهما بما يُجزى عليه فاعل الحسنة بحسنه ومواقع السيئة في سيئته.
فالإحاطة بعلم الحسنات والسيئات من أولى العلوم التي ينبغي أن يعيها العبد؛ لأن عمله لا ينفك عنها غالبا؛ لأن من جوامع أحكامها ما انتظم في آيات متفرقات في كتاب الله، فمن ذلك قول الله ﷻ: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [القصص]، ففاعل الحسنات يؤتيه الله على فضلا عظيما ويكون ما يصيبه من الجزاء خير من حسنته التي أتى، فهو يجزى على حسنته بمثلها إذا عشرة أضعاف، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة بقدر ما يكون في قلبه من حُسن الإسلام والعمل.
وأما فاعل السيئة فإن الله الله لا يجزيه إلا بمثل سيئته، فجزاء سيئة سيئة مثلها.
ففي هذا المشهد الجليل يتبين كمال فضل الله وعدله:
- أما كمال فضله فأن يجزيك عن الحسنة أضعاف مضاعفة منها، وأنت لم تأتِ إلا حسنةً واحدة.
- وأما عدله ﷻ فإنه إذا أخذ العبد على السيئة جزاه سيئة بمثلها، وتعالى الله أن يكون ظلوما غشوما فلا يزيد على العبد اقترافه السيئة ولا يضاعفها له.
فتأملوا رحمكم الله عظيم الرحمة الربانية وجميل العدل الإلهي الذي لا يوازيه فضل ولا عدل.
ومن جوامع أحكامها قوله ﷻ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]، فالعبد لا يخلو من مقارفة السيئة بما فطره الله الله عليه من آدميته وبشريته، وفي صحيح مسلم، من حديث سعيد بن عبد العزيز عن ابن إدريس الخولاني عن أبي ذر —رضي الله عنه— أن النبي ﷺ قال في ما يرويه عن ربه ﷻ: يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم.
فلا يخلو العبد من مواقعة سيئة في يومه وليلته، فإذا وقعت السيئة فإن مما يذهب أثرها ويزيلها أن يبادر العبد إلى فعل الحسنات بعدها، والحسنة التي تكون بعد السيئات نوعان:
- أحدهما: حسنةً يفعلها العبد رجاء محو سيئته التي تقدمت.
- والآخر: حسنة يفعلها العبد دون ابتغاء القصد المذكور آنفا.
والأول أبلغ من الثاني فإذا فعل العبد سيئة، فإن من كمال محوها وصدق التوبة منها أن يبادر العبد إلى حسنة يفعلها يريد بذلك محو السيئة التي اقترفها، فإذا قُدِّر أن أحدًا ما ترك الصلاة حتى خرج وقتها فآب وتاب ورام قضاءها بعد ذلك فإنه مما يكمل قضاءه الصلاة المكتوبة أن يبادر بعدها إلى أنواع من النوافل من جنس الصلاة أو مما قاربها فيؤدي من نوافل الصلاة بما يتقرب إلى الله، أو يكثر التسبيح والذكر والدعاء، فإن ذلك من جنس الحسنة المناسبة لخطيئته في تركه الصلاة، فيكون ذلك أبلغ في محوها.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وهنا نجِد خطبة: ألفاظ تخالف العقيدة – مكتوبة
الخطبة الثانية
الْحَمدُ لله رب العالمين ربِّ السَّموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هو البرِّ الرَّحِيمِ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا عبده وَرَسُولُه الرؤوف الكريم، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ من أهل البر والإحْسَانِ من عباد الله المؤمنين.
أما بعد.. أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لا يخلو أحد منا من مواقعة سيئة يقترفُها في يومه وليلته، وإنَّ وُفُوده على الله بصدق الأوبة يؤذن بمغفرة الله ﷻ كل ذنبه وعفوه عنه، فمن جوامع الأحكام في الحسنات والسيئات قوله ﷻ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى]، فإذا تاب العبد إلى ربه وانخلع من سيئته فإن الله لا يعفو عنه ما اقترفه، وليس المراد بعفوه عنه أن يغفرها له فقط، كلا؛ بل يذهب أثرها فلا تذكر فيه أبدا، فإن حقيقة العفو زوال أثرها، فيكون ذلك أبلغ من المغفرة المجردة.
فالله عفو كريم غفور رحيم، فقال ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَءَامَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأعراف]، فإذا تاب العبد وأقلع عن سيئته فإن الله يعفو عنه ويغفر له ما اقترفه من السيئات، فيكون بذلك له من حال الإقبال على الله له ما يقوي صدق أوبته وتوبته إليه، فإنه إذا علم أن الله يغفر الذنب ويقيل العثرة كان أرجى في تكميله مقامات العبودية، ورغبته إلى ربه، ورهبته من الله ﷻ.
فاجتهدوا —أيها المؤمنون — في فعل الحسنات وحاذروا من فعل السيئات، وإذا واقع أحدنا سيئة بالنظر إلى طبيعته الآدمية وخلقته البشرية فليبادر إلى التوبة منها، فإن الله لفسح لكم في أجلكم وقبل منكم توباتكم، فاجتهدوا رحمكم الله ﷻ فيما يقربكم إلى الحسنات، وحاذروا ما يبعدكم عن ربكم من السيئات، واذكروا قول الله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن تَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءَ محْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية]، والفرقان بين الطائفتين ظاهر في الدارين.
ومن أجلك أيضًا.. «عنوان السعادة» خطبة جمعة جديدة مكتوبة
الدُّعـاء
- اللهم اجعلنا ممن يأتي الحسنات ويسابق إليها، ويتوب من السيئات ويباعد عنها.
- اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والعصيان، واجعلنا من عبادك الصالحين.
- اللهم ألهمنا رُشدنا وقنا شر أنفسنا، اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا.
- اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكَّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهَدَى وَالتَّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.
- اللَّهُمَّ آمِنِ المُسْلِمِينَ فِي دُورِهِمْ اللَّهُمَّ آمِنِ المُسْلِمِينَ فِي دُورِهِمْ اللَّهُمَّ آمِنِ المُسْلِمِينَ فِي دُورِهِمْ، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَهُمْ وَوُلَاةَ أُمُورِهِمْ،
- اللهمَّ إِنَّا نعوذ بك من شَرِّ الأشرار وكيد الفجار.
- اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نُحورهم.
- اللَّهُمَّ فَرِّجْ كُرَبَ المَكْرُوبِي، وَنَفْسٌ هُمُومَ المُهْمُومِينَ نَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ المَدِينِينَ، وَأَطْلِقُ أَسْرَى المُسْلِمَينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ،
- اللهم نسألك البركة في أعمالنا، ونسألك البركة في قواتنا، ونسألك البركة في أقوالنا، ونسألك البركة في نياتنا، ونسألك البركة في ذريَّاتنا.
﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِن الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥].