عناصر الخطبة
- دور العلاقات الإنسانية في بناء المجتمعات وتطوير الحضارات
- تعاليم الإسلام في تنظيم العلاقات الإنسانية وتهذيبها
- أهمية الحوار كوسيلة لتعزيز الفهم وبناء التفاهم بين الناس
- حسن المعاملة والاحترام… وأثر ذلك في التعايش المشترك
- الاعتراف بالتنوع والتباين كسمة طبيعية في العلاقات الإنسانية
- دعوة إلى التعايش السلمي
مقدمة الخطبة
الحَمْدُ للهِ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ المَلَكُوتُ وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، خَلَقَ النَّاسَ، وَجَعَلَهُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِيَتَعَارَفُوا، وَوَعَدَهُمْ بِالجَنَّةِ وَالثَّوَابِ إِنْ هُمْ آمَنُوا وَأَحْسَنُوا، وَحَذَّرَهُمْ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَظْلِمُوا وَيُسْرِفُوا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَمُصْطَفَاهُ وَخَلِيلُهُ، مَنْ جَاءَنَا بِالصِّدْقِ وَالهُدَى، وَالنُّورِ وَالبُشْرَى، فَكَانَ لَنَا خَيْرَ قُدْوَةٍ وَأُسْوَةٍ، خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَأَفْضَلُ المُرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ مَحَبَّةَ اللهِ، فاللهُ يُحِبُّ المُتَّقِينَ، وَمَنْ أَرَادَ كَرَامَةَ اللهِ، فَأَكْرَمُ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ مَجَالاتِ الحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ تَعْتَمِدُ اعْتِمَادًا كَبِيرًا عَلَى وُجُودِ العَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ بَيْنَ البَشَرِ أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ.
وَعَبْرَ التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ، لَمْ تَكُ لِتُبْنَى المُجْتَمَعَاتُ، وَلا أَنْ تَقُومَ، مِنْ دُونِ عَلاقَاتٍ إِنْسَانِيَّةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، يُحَافِظُ بِهَا النَّاسُ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَصَالِحِ غَيْرِهِمْ.
وَلا يُمْكِنُ عَاقِلًا أَنْ يُنْكِرَ دَوْرَ العَلاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ وَالتَّوَاصُلِ بَيْنَ البَشَرِ فِي نَقْلِ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ، وَالاكْتِشَافَاتِ وَالاخْتِرَاعَاتِ، الَّتِي يَسَّرَتْ لِلنَّاسِ أُمُورَهُمْ، وَسَهَّلَتْ لَهُمْ مَعَايِشَهُمْ.
وَقَدْ مَنَحَ اللهُ ﷻ الإِنْسَانَ قُدْرَةً عَلَى التَّنَقُّلِ فِي هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي اسْتَخْلَفَهُ فِيهَا، بَحْثًا عَنِ المَصَالِحِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ مُنْطَلَقِ تَكْرِيمِهِ تَعَالَى لِبَنِي آدَمَ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ)، وَتَفْضِيلًا مِنَ الخَالِقِ المَنَّانِ لِهَذَا الإِنْسَانِ، عَلَى كَثِيرٍ مِنَ المَخْلُوقَاتِ وَالكَائِنَاتِ (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
إِنَّ هَذِهِ القُدْرَةَ عَلَى التَّنَقُّلِ، الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ الإِنْسَانَ، لا تَأْتِي ثَمَرَاتُهَا مِنْ دُونِ قُدْرَةٍ عَلَى التَّوَاصُلِ وَبِنَاءِ العَلاقَاتِ، الَّتِي تُحَقِّقُ لِلإِنْسَانِ فِي الأَرْضِ خِلافَتَهُ، وَتُهَيِّئُ أَسْبَابَ اسْتِدَامَةِ النَّشَاطِ البَشَرِيِّ وَتَطَوُّرِهِ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ العَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةَ فِي الإِسْلامِ، تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ الفِطْرَةِ الَّتِي فِيهِ، وَهِيَ فِطْرَةٌ تُحْوِجُهُ إِلَى التَّفَاعُلِ مَعَ غَيْرِهِ، لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ وَرِسَالَتِهِ، وَهَكَذَا فَإِنَّ الفَرْدَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَخِيهِ، وَالمُجْتَمَعَ بِحَاجَةٍ إِلَى مُجْتَمَعٍ آخَرَ.
وَلِذَا، فَقَدْ عَمِلَتْ تَعَالِيمُ هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ عَلَى تَنْظِيمِ هَذِهِ العَلاقَاتِ وَتَهْذِيبِهَا، فَأَمَرَتْ بِحِفْظِ الحُقُوقِ وَرَدِّ المَظَالِمِ، وَبِالعَدْلِ بَيْنَ الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ، وَبِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَبِحُسْنِ المُعَامَلَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)، تَعْزِيزًا لِمَبَادِئِ الاحْتِرَامِ وَالتَّعَايُشِ وَحُسْنِ المُعَامَلَةِ.
كَمَا عَمِلَ الإِسْلامُ عَلَى تَعْزِيزِ قِيَمِ التَّرَاحُمِ وَالتَّمَاسُكِ وَالتَّعَاضُدِ بَيْنَ النَّاسِ، فَفِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»، تَحْقِيقًا لِمُجْتَمَعٍ يَعِيشُ فِيهِ أَفْرَادُهُ بِتَفَاهُمٍ وَتَآلُفٍ وَتَنَاغُمٍ، يَفْرَحُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَيَحْمِلُ بَعْضُهُمْ هَمَّ بَعْضٍ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى».
وَأَمَرَ الإِسْلامُ كَذَلِكَ بِحِفْظِ سَلامَةِ العَلاقَاتِ، اسْتِدَامَةً لِمَنَافِعِهَا وَخَيْرَاتِهَا، فَجَاءَ الأَمْرُ بِتَوْظِيفِ العَلاقَاتِ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى مَا يُصْلِحُ، وَالنَّهْيُ عَنْ تَوْظِيفِهَا فِيمَا يُفْسِدُ (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ العَلاقَاتِ الطَّيِّبَةَ بَيْنَ النَّاسِ، لا تَقُومُ إِلَّا بِفَهْمِ الإِنْسَانِ وَتَقْدِيرِ ظُرُوفِهِ وَالاعْتِرَافِ بِإِنْجَازَاتِهِ، وَهَذَا يَبْدَأُ مِنَ الفَرْدِ ذَاتِهِ، بِأَنْ يَعِيَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَعَ الآخَرِ.
وَإِنَّ هَذَا الفَهْمَ لا يَكْتَمِلُ وَلا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِالاعْتِرَافِ بِأَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ رَأْيًا قَدْ يُخَالِفُ غَيْرَهُ، وَحَاجَةً قَدْ تَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ، نَفْسِيًّا وَمَادِّيًّا، وَأَنَّ هَذَا التَّبَايُنَ وَالتَّغَايُرَ فِي تَقْدِيرِ الأَشْيَاءِ وَالحُكْمِ عَلَيهَا طَبِيعِيٌّ، بَلْ هُوَ مِنْ سُنَنِ اللهِ ﷻ فِي هَذَا الكَوْنِ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَالمُسْلِمُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَجِدَ فِي التَّفَاوُتِ تَعَارُفًا وَالْتِقَاءً (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، فَهَذَا الاخْتِلافُ –عِبَادَ اللهِ– هُوَ مَا يَصْنَعُ الفَوَارِقَ بَيْنَ النَّاسِ، وَهِيَ حِكْمَةٌ رَبَّانِيَّةٌ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا عَمَلِيًّا فِي هَذَا الوُجُودِ، وَفَهْمُهُ وَتَقْدِيرُهُ سَبِيلٌ إِلى تَعْزِيزِ التَّعَاوُنِ وَحَشْدِ الجُهُودِ، تَحْقِيقًا لِلْمَصَالِحِ وَالخَيَرَاتِ، وَبِنَاءِ المُجْتَمَعَاتِ وَالحَضَارَاتِ.
وَالإِسْلامُ عِنْدَمَا أَسَّسَ لِلْعَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، عَمِلَ عَلَى إِيضَاحِ السَّبَبِ مِنْ حِكْمَةِ الاخْتِلافِ، وَهَذَا السَّبَبُ –أَيُّهَا المُسْلِمُونَ– هُوَ التَّعَارُفُ، وَتَعْزِيزُ الرَّوَابِطِ بَيْنَ الفَرْدِ وَالفَرْدِ، وَالمُجْتَمَعِ وَالآخَرِ، فَقَالَ الحَقُّ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ثُمَّ إِنَّ الإِسْلامَ مِنْ بَعْدِ تَأْسِيسِهِ لِمَبْدَأِ العَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَرَبْطِ مَصَالِحِ الأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، عَمَدَ إِلَى إِرْسَاءِ مَبَادِئَ وَقَوَاعِدَ تَحْفَظُ مَا تَمَّ غَرْسُهُ، وَتُعَزِّزُ اسْتِدَامَةَ مَا تَمَّ بِنَاؤُهُ، لِتَبْقَى العَلاقَاتُ بَيْنَ الأَنَامِ عَلاقَاتٍ مُثْمِرَةً، تُؤْتِي الْجَمِيعَ خَيْرَاتِهَا، عَلاقَاتٍ تَنْظُرُ إِلى الإِنْسَانِ كَإِنْسَانٍ، مِنْ دُونِ ازْدِرَاءٍ أَوِ احْتِقارٍ، يَقُولُ اللهُ ﷻ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ).
أقُولُ مَا تَسْمَعُوْنَ وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
وهذه ⇐ من أروع خطب يوم الجمعة –مكتوبة– بعنوان: المسلم بين الخوف والرجاء
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الغَفَّارِ، الوَاحِدِ القَهَّارِ، الجَلِيلِ الجَبَّارِ، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ)، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، أَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدِ اهْتَمَّ الإِسْلامُ فِي تَعَالِيمِهِ بِقِيمَةِ الحِوَارِ، كَمَبْدَأٍ مُهِمٍّ مِنْ مَبَادِئِ تَعْزِيزِ العَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، فَالحِوَارُ وَوَسَائِلُهُ المُخْتَلِفَةُ مِنْ صُوَرِ رُقِيِّ العَلاقَاتِ، وَمَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّقَدُّمِ فِي شَخْصِيَّةِ الإِنْسَانِ وَالمُجْتَمَعَاتِ، فَأَمَرَ نَبِيَّهُ وَمُصْطَفَاهُ ﷺ بِذَلِكَ فَقَالَ: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، تَعْلِيمًا مِنْهُ تَعَالَى بِأَنَّ الحِوَارَ وَالتَّوَصُّلَ إِلَى التَّفَاهُمِ مُمْكِنٌ (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
وَلا يَكُونُ الحِوَارُ حِوَارًا صَحِيحًا سَلِيمًا، إِلَّا إِذَا نَأَى بِنَفْسِهِ وَابْتَعَدَ عَنِ الإِكْرَاهِ وَالإِرْغَامِ، فَالإِسْلامُ بِتَعَالِيمِهِ وَقِيَمِهِ وَأَخْلاقِهِ دِينٌ لِلإِنْسَانِ وَالإِنْسَانِيَّةِ، يَعْتَرِفُ بِمَا أَوْجَدَهُ الخَالِقُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ تَعَدُّدِيَّةٍ وَاخْتِلافٍ، وَفِي الإِنْسَانِ مِنْ تَبَايُنٍ فِي الفِكْرِ وَالانْتِمَاءِ وَالخِيَارِ، (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)، فَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ، تَجِدُ المُسْلِمَ سَمْحًا لَيِّنًا فِي عَلاقَاتِهِ، لا يَدَعُ لِلتَّبَايُنَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ مِنِ اخْتِلافٍ فِي اللُّغَةِ أَوِ الثَّقَافَةِ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي ابْتِعَادِهِ عَنْ جَوْهَرِهِ الإِيمَانِيِّ وَالقِيَمِيِّ وَالأَخْلاقِيِّ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إمَامِ الْمُرْسَلِينَ؛ مُحَمَّدٍ الهَادِي الأَمِينِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِذَلكَ حِينَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمتَ عَلَى نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ نَبِيِّنَا إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وعَنْ جَمْعِنَا هَذَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.