عناصر الخطبة
- قوة الأمة الإسلامية تكمن في وحدتها وتماسكها سر نجاحها لتعود كما كانت قائدة رائدة بين الأمم، قادرة على حماية دينها ومقدساتها.
- الواجب على المسلمين الابتعاد عن الاختلاف الذي يفت في عضد الأمة ويفرق صفها فالأمة المتشرذمة غير قادرة على الإنتاج أو إدارة عجلة الحضارة.
- بالمحبة والأخوة تقوى العزائم، وتعلو الهمم، وتنشط الإرادة في طاعة الله ومحبته.
الخطبة الأولى
لقد جاء الإسلام لتحقيق غايات نبيلة وأهداف سامية وكان من أهمها أصلان عظيمان أقام عليهما النبي ﷺ أركان الأمة الإسلامية، الأصل الأول كلمة التوحيد فجمع الناس على كلمة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ونبذ ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان، والأصل الثاني توحيد الكلمة، فآخى بين المؤمنين، وجمع صفهم ووحد كلمتهم، لأن قوة الأمة الإسلامية وسرّ نجاحها يكمن في وحدتها وتماسكها واعتصامها بحبل الله ﷻ وقد أمر الله ﷻ المسلمين بالتعاون على البر والتقوى، والتكاتف فيما بينهم ونبذ الخلافات لتبقى هذه الأمة أمة قائدة رائدة بين الأمم، عزيزة مرهوبة الجانب قادرة على حماية دينها ومقدساتها وعقيدتها، ونشر رسالتها، رسالة الحق والهدى والرحمة للعالمين، فالرسالة القوية تحتاج أيدٍ قوية تحملها، قال ﷻ (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال ﷻ: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء: 92.
فالواجب على المسلمين الاعتصام بكتاب ربهم، والالتزام بهدي نبيهم، وأن يبتعدوا عن الاختلاف والتفرق الذي يفت في عضد الأمة ويفرق صفها، ويوهن هيبتها، ويقلل من شأنها بين الأمم، فالاختلاف بين الناس مدعاة إلى تفريق الأمة وتشرذمها وتداعي أعدائها عليها وهدم لحضارتها قال ﷻ: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ الأنفال: 46.
فالأمة المتشرذمة هي أمة ضعيفة غير قادرة على الإنتاج أو إدارة عجلة الحضارة، بل هي مشغولة دائماً بمشكلاتها الداخلية والخارجية.
وقد منٌ الله على هذه الأمة إذ جمعها بعد فرقة، ووحدها بعد اختلاف، وألف بين قلوبها قال ﷻ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران:103.
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» ← سنن الترمذي.
وقد شبه النبي ﷺ المؤمنين بالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، مما يؤكد على حرص النبي ﷺ على تعميق وحدة الجماعة بين المؤمنين، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً» ← متفق عليه.
ومثله قوله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ← صحيح مسلم.
وأخرج أبو داود عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله ﷺ: «من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه» ← سنن أبي داود.
ورحم الله ابن المبارك حيث قال: إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا
كل ذلك يدل على أن هذه الأمة وحدة واحدة، وهي كذلك في نبيها ﷺ وكتابها وتاريخها ورسالتها ولغتها وثقافتها ومصيرها المشترك، وسيدنا رسول الله ﷺ لم يؤسس دولة الإسلام في المدينة إلا بعد أن آخى بين المهاجرين والأنصار، وألَّف بين الأوس والخزرج، لينطلق الجميع في جبهة واحدة متراصة تحت راية (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران:103، ليقيموا في العالمين دولة رائدة، ويحملوا إلى البشرية مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
وما كان ﷺ يرضى أن تمس هذه الوحدة بين المسلمين، والتآخي بينهم بأي أذى ولذا غضب النبي ﷺ حينما سمع دعوى الجاهلية بين الاوس والخزرج فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن جمعهم في مكان واحد، وقال لهم مقرعاً: «ما بال دعوى الجاهلية؟! دعوها فإنها منتنة» ← متفق عليه.
ومن هنا يظهر لنا جلياً أهمية الوحدة بين المسلمين، فلن يهابهم أعداؤهم إلا بتآلفهم، ولن يدفعوا عن أنفسهم الظلم إلا إذا تعاونوا، ولن ينشروا دعوتهم أو يعيدوا مجدهم إلا إذا تآخوا، ولن تستطيع هذه الأمة أن تحبط جهود وأطماع أعدائها في النيل من كرامتها واحتلال أرضها، وسرقة مقدراتها، إلا من خلال وحدة أبنائها واجتماعهم صفاً واحداً، فبالأخوة والوحدة الإسلامية يتحد صفهم، وتثبت أقدامهم، وتعلو هممهم، وتشد قوتهم، فينتصر جيشهم، ويهزمون أعداءهم، ويأمنون على دينهم وأنفسهم وأعراضهم وديارهم وأموالهم.
⬛️ وهنا خطبة: صوتك أمانة —مكتوبة— قوية ورائِعة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
يقول الله ﷻ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102.
عباد الله: بالمحبة والأخوة تقوى العزائم، وتعلو الهمم، وتنشط الإرادة في طاعة الله ﷻ ومحبته.
وما ضعفت أمتنا إلا عندما تفرقت، فطمع بها الطامعون، وتداعى عليها الأعداء تداعي الأكلة على قصعتها، فكان هذا نتيجة ظاهرة لهذا التفرق.
ولا ننسَ الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فهو سبيل لخروج الأمة من ضعفها وتشرذمها اذا حققنا معناه في نفوسنا.
والحمد لله رب العالمين..