تلقيت دعوة كريمة من المسلمين في جنوب تايلاند لأرى عن قرب واقع المسلمين، وإقامة دورة شرعية، والنظر في بعض مناهج الجامعات والمدارس.
فوجدت أن الحكومة التايلاندية لم تقصر مع المسلمين فأعطتهم كل طلباتهم إلا إقامة حكم ذاتي لهم.
فهي تقيم مشاريع تنموية وخدمية من شوارع وجسور ومدارس، وتسمح لهم بإقامة المساجد وبجوارها مقابر، وتعترف بعقودهم الشرعية ومحاكم الأحوال الشخصية من: (زواج – طلاق – مواريث – ووصايا)، وتوفرلهم الكهرباء والماء، وتسمح لهم بإقامة إذاعة دينية وقناة فضائية، ولهم الحق في ممارسة تجارتهم الخاصة.
والتقيت مع شخصيات إسلامية كثيرة وقالوا لي: إن هناك أفكارا متطرفة، وهي قليلة تناشد بعودة المطالبة بمملكة فطاني التي كانت قبل 90 سنة، و يدعم هذا التوجه حزبان أحدهما يريد إسقاط الملكية لعودة الجمهورية، وهو يغرر بهؤلاء الشباب بالمال وينقل المعركة إليهم، وهذا فكر مرفوض وغير مقبول.
ووجدت أن هناك ندرة في تخصص الطب عند المسلمين، فضلا عن وجود مراكز صحية على شكل (وقف) توقفت عندما توفي بعض الأطباء أو انتقلوا إلى العمل السياسي أو العمل الخاص؛ فتألمت من هذا الواقع وتساءلت في نفسي: أين النظرة البعيدة لرسم استراتيجية لمستقبل الأمة؟!
وشعرت أيضا أن المسلمين بحاجة لدراسة الجدوى؛ فبعد أن اشتروا مزارع للأرز (وقفية) قالوا: إنها غير مجدية وعليها فقد توجهوا إلى زراعة أشجار المطاط؛ لأن قيمتها عالية جداً.
ووجدت أيضا أن كل صاحب محل يضع تمثالا للفيلة أو لبوذا، ويضع أمامه نصف بطيخة أو مجموعة موز أو أناناس، فضلا عن الورد الأصفر المائل إلى البني، وكأس ماء وعصائر أحياناً، فقلت: سبحان الله! هم يصنعونها ويعتقدون أنها تأكل وتسمع وتدفع عنهم الضر وتجلب إليهم الخير، فالحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام والهداية: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}، {أتَعبدونَ ما تنحتونَ واللهُ خَلَقكمْ وما تعملون}.
الحكومة اعترفت بكل المدارس الإسلامية هناك؛ فخريجو المدارس الذين ينفذون متطلبات الوزارة تعطي الحكومة على الطالب مبلغاً من المال شهريا لإدارة المدرسة، ولفت نظري أن جامعة الأزهر والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تهتمان بالمتخرجين من المدارس الثانوية هناك ويتم قبول 80 في الأزهر ومثلها في المدينة؛ فهذه جهود مباركة ومشكورة.
رأيت أيضا الفيضانات التي غمرت معظم مناطق الجنوب، والتي لم تعرفها تايلاند طيلة ربع القرن الماضية، وما زالت الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة إلا أن الخسائر أكبر مما تتوقعه؛ فلذلك تعطلت سكك الحديد والباصات والنقل البري فارتفعت أسعار الطيران ثلاثة أضعاف.
أعجبني صاحب مطعم (مسلم) يكفل مئة يتيم يطلبهم كل يوم اثنين من كل أسبوع منذ الغداء وحتى بعد العشاء يعمل لهم برنامجاً متكاملاً ثم يخصص لهم جزءً من المال ويتابعهم في دراستهم وحفظهم للقرآن وهو من يقوم باعطائهم المسابقات الترفيهية في مزرعته الخاصة.
أعتقد أن المسلمين في أمس الحاجة إلى دعم مشروع كفالة الدعاة والاهتمام بالدراسة الجامعية فضلاً عن مشروع يعلمهم صنعة وحرفة، فالخير كثير، ونسأل الله ﷻ لهم التوفيق والسداد وأن يثقفهم في أمور دينهم ويصلح ذات بينهم.
للكاتب : د. بسام خضر الشطي