لا شك أن الله فضل بعض الأيام على بعض وبعض الليالي على بعض، وبعض الأماكن على بعض، كذلك فضل بعض النساء على بعض، فجعل منهن الطاهرات المطهرات اللاتي حملن في أحشائهن أنبياء وصديقين، ومن تفضيل الله لبعض نساء العالمين، أن يجعلهن أمهاتٍ للمؤمنين، ويكرمهن بالقرب من خير الخلق أجمعين، ويصطفيهن للزواج من سيد المرسلين، عليه الصلاة والسلام- وعلى آله وأزواجه الطيبين الكرام، وعلى رأسهن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وهنا سيكون محور الحديث عن السيدة عائشة ومكانتها عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ودورها في نقل علم الحديث إلينا، ونسأل الله أن يهدينا ويرزقنا حسن الاقتداء بها وبسائر أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن وأرضاهن جميعا وطيب ثراهن.
مكانة السيدة عائشة عند النبي (ﷺ) ومحبته لها
كانت السيدة عائشة بنت أبي بكر أحب زوجات النبي وأقربهن إلى قلبه، وقد سئل النبي ذات يوم عن أحب الناس إليه، فقال: (عائشة، فقيل ومن الرجال؟ فقال أبوها)، وقد تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم بأمر من الله، وكانت صغيرة حديثة السن، فشاركت النبي سنوات من عمره، وأخذت الكثير من علمه.
كان النبي يدع لها ويذكرها دائما بالخير ويثني عليها الثناء الحسن، فقد روي عنه -صلى الله عليه سلم- أنه كان يدع لها قائلا: (اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر، وما أسَرَّتْ وما أعْلَنتْ).
كان النبي يحبها أكثر من غيرها من النساء، وكان هذا معلوما عند جميع زوجاته، فكن يتقربن إل النبي بالتنازل عن لياليهن لعائشة، وقد كان الوحي ينزل عليه -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيتها، وقد توفى النبي عندها ودفن في بيتها.
فضل السيدة عائشة وعلمها
فضلت الله السيدة عائشة بصحبة النبي وأخذ العلم عنه، وقد ورد في فضلها وثناء النبي عليها الكثير، ومن ذلك قوله: (كَمَلَ منَ الرِّجال كثيرٌ، ولم يَكْمُلْ منَ النِّساءِ إلاَّ مريمُ بنتُ عِمرانَ، وآسِيةُ امرأةُ فِرعونَ، وفضْلُ عائشةَ على النِّساءِ كفَضْل الثَّرِيدِ على سائرِ الطعام))؛ صحيح البخاري.
فكانت رضي الله عنها تتمتع بالذكاء والفطنة والقدرة على حفظ علم النبي (صلى الله عليه سلم) فوصفت بأنها أفقه نساء الأمة، روت عن النبي ما يزيد عن ألفين ومائتي حديث، وذلك بفضل ملازمتها للنبي زمنا، وكان الصحابة يلتمسون عندها العلم ويرجعون إليها فيما يجهلون حكمه، ويلتبس عليهم فهمه، وقد ورد أن النبي أوصى بأخذ العلم عنها فقال: (خذوا نص دينكم عن هذ الحميراء)، وفضلا عن علم الفقه والحديث الذي تعلمته من النبي فقد كانت تعرف بعلمها في الطب الشعر أيضًا.
ومن عظيم فضلها أن الله أنزل فيها قرآناً يُتلى إلى يوم الدين، وذلك في حادثة الإفك المعروفة، حيث بين براءتها، وأخرس الألسن التي خاضت في عرضها.
عبادة السيدة عائشة وكرمها
أما عن عبادتها وتقواها، فقد كانت رضي الله عنها من أتقى الناس وأكثرهم عبادة، فكانت صوامة قوامة، كريمة كثيرة العطاء والصدقة، فكلما طالت يديها مالًا وهبته لله وأنفقته بلا غضاضة في سبيله، ويروي أنها اهديت إليها قلادة غالية جدا فقسمتها بين أمهات المؤمنين.
حكم الكلام عن السيدة عائشة بالسوء
يحرم عل كل مسلم موحد أن يتكلم عن صحابة النبي وآل بيته وزوجاته بسوء، فهم ساداتنا وأئمتنا، وقدوتنا، وهم السابقون الأولون في الإسلام وعلى أكتافهم قامت الدعوة واستمرت حتى يومنا هذا، ومن ثم فقد أجمع فقهاء المسلمين وعلمائهم على حرمة سب زوجات النبي وأصحابه، ومنهم عائشة ومن ذلك ما ري عن مالك بن أنس أنه قال: (مَن سَبَّ أبا بكرٍ وعُمرَ جُلِد، ومَن سَبَّ عائشةَ قُتِل، قيل له: لِمَ يقتلُ في عائشة؟ قال مالك: فمَن رماها فقدْ خالَفَ القرآن، ومَن خالف القرآنَ قُتِل).
وفاة السدة عائشة رضي الله عنها
توفيت السدة عائشة عن عمر يناهز الستين عاما، وتركت للمسلمين إرثا من العلم والحديث ونبراسا من الهدى، وكانت حياتها عامرة بالجهاد في سبيل الدعوة، وامتلأت بالعظات والعبر، فكانت خير النساء لخير الرجال.
ولعلها تكن تذكرة نافعة لنساء المسلمين الاتي يبحثن عن القدوة والمثل الأعلى في زمن اختلطت فيه المفاهيم، ونوجه دعوةً لنساء الأمة ورجالها أن نعود للتعرف على حياة السلف الصالح وسير الصحابة والصحابيات ففي هذا يكمن الخير، وعندهم نجد دلائل الهدى، وفي مدرستهم نعرف القيم الإسلامية والمثل العليا التي عاشوها وعايشوها فجزى الله عنا كل الصحابة والصحابيات خير الجزاء.