أولا: الذين معه ﷺ هم أصحابه وأهل بيته كانوا رحماء بينهم بخلاف اعتقاد أهل الباطل وذمهم لصاحبته أو لأهل بيته ﷺ وأذيتهم، يقول الله ﷻ: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب: ٥٨).
ثانيا: لقد وصفهم الله بأعظم الصفات، فوصف المهاجرين (ومنهم أهل البيت) بأنهم ينصرون الله ورسوله، وأنهم هم الصادقون، يقول الله ﷻ: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (الحشر: ٨).
كما وصف الله الأنصار بأنهم يحبون من هاجر إليهم وأنهم هم المفلحون، يقول الله ﷻ: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: ٩).
ولقد رضي عنهم ورضوا عنه ومن اتبعهم بإحسان، يقول الله ﷻ: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبوعهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (التوبة: ١٠٠).
فهؤلاء هم أصحاب رسول الله وأهل بيته ﷺ وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون، فمن أحبهم فبحب الله أحبهم. بخلاف من يحملون في قلوبهم غلا للذين آمنوا ولمن رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار وأهل البيت والذين اتبوعهم بإحسان.
ثالثا: يقول الله ﷻ: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: ٦). كلهن أمهات المؤمنين، فمن أبى ذلك أو طعن بأعراضهن، فذلك طعن بالنبي ﷺ، يقول الله ﷻ: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب: ٥٣)، فحرم الله أن تنكح أزواجه من بعده أبدا، وهو أمر مشروع بين المسلمين، فكيف بالطعن بأزواجه من بعده؟!
رابعا: فلا طعن ولا غلو في أهل البيت ولا في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، يقول الله ﷻ: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: ٧٧). وعن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» رواه أحمد، وفي حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «للساعة أشراط، قيل: وما أشراطها؟ قال: غلو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف».
وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا ظهورا جليا، ولعل فيه إشارة لمن أقاموا الأضرحة في المساجد وغيرها، لأهل البيت وغيرهم، مع علمهم بقوله ﷻ: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: ١٨).
فعلينا الحرص على محبتهم: فعن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحب»، فبمحبتهم والترضي عليهم والكف عن سبابهم نكون معهم، فلنكن خير خلف لخير سلف، وعلينا أن نكف عما اجتهدوا فيه رضي الله عنهم ولا نذكر عنهم إلا خيرا؛ لقوله ﷻ: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (البقرة: ١٣٤).
خامسا: هنا بعض الأمور يجب التذكير بها للسلامة من الضلال وهي:
١- لا عصمة لأحد بعد رسول الله ﷺ لقوله ﷻ: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: ٣-٤). ويقول ﷺ: «فإنه من يعش منكم فسيرى بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليه بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة». وفي ذلك بيان واضح بأن سنة الخلفاء الراشدين هي المتابعة لرسول الله ﷺ بخلاف ما يدعيه بعض الغلاة في عصمة غيرهم.
٢- يقول الله ﷻ: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: ٦٥) ويأمر الله نبينا محمدا ﷺ: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف: ١٨٨) بخلاف ما يدعيه بعض الغلاة لأهل البيت عليهم السلام، وللأولياء وغيرهم، بأنهم يملكون النفع والضر، والبركة، ويعلمون الغيب.
٣- أهل البيت يتبادلون المحبة والتقدير مع صحابة رسول الله وأزواجه ﷺ، فهم رحماء بينهم، وأزواجه ﷺ أمهاتهم، وهم أولى المؤمنين بمحبتهن: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} (الأحزاب: ٦). فلو علموا عنهن سوءا لطبقوا شرع الله فيهن، بل لطبقه قبلهم رسول الله ﷺ، والله أعظم من ذلك فقد برأهم من قبل، يقول الله ﷻ: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} (النور: ١١).
والإفك هو الكذب، وذلك لسوء الظن بالمؤمنين، يقول الله ﷻ: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين} (النور: ١٢) ولكن سنة اليهود من قبل، يقول الله ﷻ عنهم: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} (النساء: ١٥٦)، يقول الله ﷻ: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} (النور: ١٥).
ولقد أكرم أمير المؤمنين علي وأبناؤه رضي الله عنهم أمهات المؤمنين وفي مقدمتهم عائشة رضي الله عنهن وأرضاهن، وهناك من يخالف ذلك، طعنا والعياذ بالله في الدين وفي عرض رسول الله ﷺ وأهل بيته وآله، يقول الله ﷻ: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (النور: ١٩) ويقول الله ﷻ: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} (النور: ٢٣) فهم يدعون آل البيت من دون الله ويخالفون سننهم في محبة الصحابة رضي الله عنهم.
٤- يبتدعون ويجددون الحداد على الحسين -رضي الله عنه- كل عام لإثارة الحقد والكراهية بين المسلمين، ويعذبون أنفسهم، مع أن والده أمير المؤمنين عليا -رضي الله عنه- قُتل قبله غيلة وهو أحق بذلك الحداد. بل لو كان الأمر مشروعا في الإسلام لكان موت رسول الله ﷺ أحق بالحداد وتكراره؛ لقول رسول الله ﷺ: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» وقولهم بأن أهل البيت عليهم السلام لا يموتون إلا برغبتهم! إذاً فموت الحسين -رضي الله عنه- رغبة منه حسب اعتقادهم فلم الحداد عليه ولم تكراره؟! والله ﷻ يقول: {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} (غافر: ٦٨)، فليس لغير الله الخيرة في حياة أحد أو موته، علما أن كثيرا منهم رضي الله عنهم وأرضاهم قتلوا غيلة أو في معركة دون علمهم أو رغبة منهم؟ وهو دليل على عدم علمهم بالغيب، ولا خيرة لهم، فلو كان يعلم الغيب لما عرض نفسه وأسرته لشر قتلة.
٥- عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلى الرجل على حسب دينه…» الحديث.
ولا شك أن صحابة رسول الله ﷺ وأهل بيته هم الأمثل بعد الأنبياء، لما أصابهم من بلاء، فعلمنا أن ذلك كان لهم ابتلاء؛ فوجب علينا محبتهم دون استثناء، وعلمنا أنهم لم يستطيعوا دفع البلاء عن أنفسهم في حياتهم، فكيف يدفعونه عن غيرهم بعد مماتهم؟! والله يأمر نبيه ﷺ: {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا} (الجن: ٢٠-٢٢).
فوجب علينا محبتهم، ووجب علينا توحيد الله وحده لعلمنا بحقيقة قوله ﷻ: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام: ١٧).
بقلم: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ