لعلّ العدو الأول لفيروس كورونا هو جهاز المناعة، ولعل هذا الجهاز لا يقوى إلا بالإيجابية، وقد كشفت دراسة جديدة من جامعة كوينزلاند الأسترالية، أن المشاعر والتوجه الإيجابي للأفكار يمكنها أن تحسن أداء الجهاز المناعي وتطيل العمر.
ووفقا لموقع ميراكولا الأسترالي فإن الدراسة شملت متابعة بالغين تتراوح أعمارهم بين ٦٥ و ٩٠ سنة لمدة أكثر من عامين، وكشفت أن الأفراد الذين ركزوا على المعلومات والمواقف والأفكار الإيجابية كانت المناعة لديهم أقوى.
وخلال الدراسة عرض الباحثون مجموعة من الصور الإيجابية والسلبية وطلب منهم التذكر وتم متابعة وظائف المناعة عن طريق سلسلة من اختبارات الدم، وكان المشاركون الذين تذكروا الصور الإيجابية أكثر من السلبية لديهم كمية أكبر من الأجسام المضادة الجيدة مما يشير إلى قوة المناعة.
ويقول بروفيسور إليز كالوكرينوس قائد الدراسة والأستاذ بالجامعة، إنه يمكن تفسير النتائج بأن الفرد الذى يركز على الأمور الإيجابية يكون أكثر قدرة على التعامل مع المواقف العصبية، ويستطيع الحفاظ على التفاعلات الاجتماعية الإيجابية، وبالتالي نسبة أقل من إفرازات هرمونات التوتر ومناعة أكبر.
دور الإيجابية في تعزيز المناعة
تقول مدربة البرمجة اللغوية والعصبية “جيهان شنابلة”: أن الإيجابية تلعب دور مهم جداً في تعزيز جهاز مناعة الجسم، كما تساعدنا الإيجابية في التأقلم مع ما يحدث الآن في العالم؛ فبعد أن ينتهي الحجر الصحي الذي نعيشه الآن، سندخل إلى عالم جديد غير ذلك العالم الذي كنا نعيشه من قبل، ومن هنا لابد التنويه على أهمية أن نحافظ على توازننا، وأن نتقبل هذا الوضع الراهن، والجديد علينا.
ومن الجدير بالذكر أن الإيجابية لا تُعني أن نعمي أعيننا عما يحدث، ولكن الإيجابية الحقيقية تُعني أن نظل مطلعين على ما يحدث؛ حتى نتعرف على الطريقة الصحيحة التي يمكن من خلالها أن نخدم البشرية أو الإنسانية، ونبتعد عن الخوف، والقلق، والتوتر النفسي، بل نستطيع أن نحول هذه المشاعر السلبية إلى إبداع، وابتكار، وإلهام أيضاً.
وبالحديث عن أزمة كورونا فإنها بالرغم من كونها وباء، وبالرغم من كل سلبياتها إلا أنها جعلتنا ننظر إلى جانبنا الإنساني بشكل أفضل بكثير، وأهدتنا فرصة عظيمة لنجتمع بأنفسنا، وأهلنا، وأسرنا بشكل أعمق، وهذا ينعكس بشكل واضح على الطبيعة؛ فنجد السماء أصبحت أصفى، والبيئة أصبحت أقل تلوثاً، فالمشهد بأكمله على حد قول “شنابلة” يمكن وصفه بأن البشرية قد اخذت هدنة للتعافي، وأعطت فرصة للبيئة أيضًا أن تتعافى.
وهناك العديد من الأمور التي من الممكن ممارستها الآن في هذا الحجر الذي نعيش فيه، وتجعلنا نعيش بإيجابية بشكل أو بآخر، ومنها طهي أنواع جديدة ومختلفة من الطعام، ممارسة الرياضة، وخاصةً اليوجا التي تساعدنا على التنفس بالطريقة الصحية، والصحيحة، قراءة الكتب، مشاهدة التليفزيون، وأن نهتم بأنفسنا، وبمن حولنا قدر الإمكان.
والكثير منا الان يتخذ هذه المحنة التي نمر بها بمثابة فرصة للاهتمام بأنفسنا أولاً، ومن ثم الاهتمام بالآخرين، وأن نتعلم التراحم، التعاطف، والتواصل أيضاً، وهذا يعيدنا مرة أخرى لفطرتنا، التي كدنا أن ننساها، ذلك بالإضافة إلى أهمية أن نحاول خلال هذه الفترة أن نهتم ببيئتنا أكثر، ونتصالح معها، ونقترب منها بشكل أعمق، وأن نحافظ عليها أكثر بطريقة أو بأخرى.
وتشير “جيهان” إلى أن الشعور بالإيجابية لا يُعني أن لا نشعر ببعض الخوف، أو بالمشاعر السلبية، ولكن هذا يعني أن نستطيع أن نتقبل هذه المشاعر، وأن نستوعبها، ونتصالح معها، فهذه المشاعر أمر طبيعي جداً؛ فنحن نعيش الآن تجربة فريدة من نوعها، لم تمر بها البشرية من قبل، ولا يعرف أي شخص منا ما الذي هو مقدم عليه تحديداً، ولكن يجب أن نخفف من كم الاخبار المزعجة التي نراها بشكل يومي، والتي تؤثر فينا بشكل سلبي.
وأخيراً، فتؤكد “شنابلة” على أن الوضع العصيب الذي نعيش فيه الآن يجب أن يجعلنا نفكر في إنسانيتنا بشكل أعمق، وأن نحاول أن نخرج من هذه الأزمة بسلام نفسي أكبر، ونتخذ هذا الألم كفرصة لتطهير أنفسنا، فنحن نعتبر في ولادة جديدة، ولابد وأن يكون لدينا ايمان وثقة بأن ما سيحدث لنا في المستقبل هو أجمل بكثير من توقعاتنا.