في أحيان كثيرة حين يوقف موظف بتهمة الفساد يكون هناك استغراب حول الجرأة التي واتته للقيام بفعلته، فهناك من يرتشي، وآخر يزور أوراقا رسمية، وثالث يعيق مصالح الناس لأغراض خاصة، وأشكال كثيرة ومختلفة من الفساد، ومع كل ذلك يتملك المتابع الاستغراب، وأحيانا يسأل بعفوية «أين يعيش هذا؟»، السؤال كناية عن المحيط الذي تمارس فيه هذه الأفعال بعيدا عن الرقابة.
فعلا هناك في ذلك المحيط تكاد تنعدم الرقابة، ولا تكتشف كثير من أوجه الفساد إلا نتيجة وقوع كارثة، فتهب الجهات المعنية، والجهات التي يتبع لها الفاسد بتقصي الحقائق، ثم تنكشف أوجه الفساد، وبعض الأحيان تنكشف فقط المتعلقة بالفاسد، أي أن الدوائر الأخرى غير المعنية بالكارثة تبقى كما هي.
والفاسد ومحاربته لا تقتصر على الجهات الحكومية فقط، بل الواجب على المواطنين والمقيمين التبليغ عنها، لكن يبدو أن ضعف الثقة بأن هناك تحركا فعليا يدفع إلى فتور الحماسة لهذا الدور الأخلاقي.
في حرب البلاد على الإرهاب في الأعوام الماضية، تم البحث عن بدائل جيدة لمحاصرة الإرهاب، وكثير منها أجدت نفعا، ولعل صرف المكافآت المالية للمبلّغ فكرة يمكن الإفادة منها في مكافحة الفساد، فلو خصصت الدولة مكافأة مالية لمن يبلغ عن فاسد، فإن الموظف الذي لا تردعه أخلاقه عن الفساد سيفكر مليا بالأمر، هذه المكافآت المالية أداة عملية لمحاصرة الفساد وأهله، وتقضي على الكثير من مظاهره، وستوجد دافعا لدى كثيرين، فإن كان الدافع الأخلاقي ليس قويا، فالمال يشعل الحماسة.
المكافأة المالية التي ستصرف نظير التبليغ عن الفاسد لا توازي ما يسببه الفساد من خسائر للوطن، فالفساد له ضرر مالي، لكن هناك أضرار أبلغ وأخطر من استنزاف المال العام، يجب ألا ينظر إلى وجود المكافأة المالية كأن الفساد متفش وهو الغالب، فهناك عقوبات لقطع الإشارة الضوئية، فهل هذه العقوبات تعني أن كل من في البلاد يقطع الإشارة؟
بقلم: منيف الصفوقي
وفي هذا الصَّدد أُذكّر نفسي وإياكم هنا بـ: آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الفساد والمفسدين