كانت ثورة 25 يناير ولا زالت مصدرًا للإلهام والإبداع، بما نقلته لنا من أحاديث الإصرار والإرادة الحرة والعزيمة القوية، وما صاغته من المشاهد التي سيخلدها التاريخ حتمًا وستبقى في ذاكرة الأجيال المعاصرة.
ثورة ٢٥ يناير
الحديث عن الثورة ماتع رائع يوقظ فينا ذكريات طيبة، حين هب الشعب وانتفض الثوار رافضين الاستبداد والغطرسة والدكتاتورية العمياء التي حكمت بالحديد والنار، ولم تكن تتوقع يوما أن حكمها سيلهب القلوب والصدور ويؤجج نار الغضب وأنها يومًا ما لن تقدر على إخمادها وبالفعل لم تقدر هذه المرة على إخمادها، برغم السجن والاعتقال والمحاكمات العاجلة والقتل، لم تقدر على كبح جماح الثورة فاستطاعت الثورة أن تكتب لمصر وشعبها تاريخًا جديدًا، بمفردات هجرها منذ سنين، إنها مفردات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بدأت ثورة 25 يناير تعلن عن نفسها وتحشد الشباب لدعمها ومساندتها بعد أن آل حال البلاد إلى حال لا يعلمه إلا الله من تدهور ملحوظ على الصعيد السياسي والاقتصادي وبات هذا التدهور يلقي بظلاله على كل ظروف المعيشة التي يعايشها الشعب المصري كل يوم، مشاكل وصعوبات في النقل وحوادث يندى لها الجبين، وقصور في الخدمات الصحية وضحايا يموتون كل يوم بسبب إهمال هذا المحور الهام في استقامة حياة الشعب، وقهر بلغ ذروته.
اختار الشباب يوم 25 يناير وهو اليوم الموافق للاحتفال بعيد الشرطة ليحتشدوا ويعبروا عن غضبهم من الشرطة نفسها التي باتت مصدرًا للترويع والتهديد والتخويف لكل مواطن مصري تسول له نفسه الاعتراض أو التعبير عن رفضه لأي شيء مما يحدث في وطنه، بدلًا من أن تكون في خدمة الشعب وحمايته.
استمرت الثورة السلمية ما يقرب من ثمانية عشر يوم مرت فيها بعدة منعطفات، ما بين محاولات محمومة لفض التظاهرات وتفريق الشباب باستخدام عدة وسائل كاستخدام القنابل المسيلة للدموع، والقاء القبض على المتظاهرين، وفرض حظر التجول، والحيلولة دون وصول أصوات الشباب إلى العالم أو إلى باقي أنحاء الدولة، عن طريق اغلاق بعض القنوات المؤيدة للثورة والتي كانت حريصة على نقل الحدث لحظة بلحظة، وقطع شبكات الإنترنت فترة امتدت لثلاث أيام.
استقبلت الحكومة وأجهزة الدولة الحيوية بما فيها من وزارة الداخلية وجهاز المخابرات وأمن الدولة والرئاسة الأمر بشيء من الاستخفاف والتهاون، توهمًا منهم أنها مجردة زوبعة في فنجان وأنها ستنتهي قريبًا، ولكن مع مضي الأيام بدأت الأعداد تتزايد والأصوات تعلوا، فبدأ القلق يستبد برجال الدولة وأجهزتها وبدأت مظاهر القمع والاعتقال تسيطر على المشهد.
ثم بدأت الرئاسة تسعى لاسترضاء الشعب المصري ومحاولة تهدئته بإصدار خطابات تحمل وعودًا بتحقق مطالب الشعب، وينفي الرئيس من خلالها نيته في تجديد الرئاسة لمدة تالية، ووعود بحل مجلس الشعب وغيره مما أثار غضب الشعب.
ولكن كان انتباه الرئاسة والسلطة عمومًا لخطورة الموقف قد تأخر كثيرًا، وكانت مطالب الثوار قد تغيرت وتطورت أيضًا وغضبهم أصبح أكبر، فبعد أن كانوا يهتفون للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهي مطالب عامة وفضفاضة أصبحوا ينادون صراحة برحيل مبارك عن سدة الحكم، ومسائلة الأثرياء من رجال الدولة عن مكتسباتهم وأموالهم التي اكتظت بها بنوك سويسرا، وأصبحوا مصرون على حقوق الشهداء الذين غدر بهم وسلبت حياتهم.
ومع نجاح ثورة 25 يناير في تحقيق عدد كبير من مطالبها إلا أن مصر حتى الآن لا تزال تعاني من الفساد الإداري والمالي الذي يدفع ثمنه الفقراء والكادحون من أبناء الشعب المصري.
ثار الشباب، فارتوى ظمأ الوطن ، وتكسرت كل القيود الصارمة
ثار فكان النصر حليفهم ، وانتهت على يديهم حكاية ظلم غاشمة