يوم الجمعة هو اليوم الأخير في الأسبوع، وهو يوم له قيمة اجتماعية كبيرة، إذ تمتلئ الشوارع مع بداية صلاة الجمعة بالمصلين، يدافعون في الطرقات بعد الصلاة، يبتاعون الإفطار بعدما هنئوا بنومهم أخيرًا، وهم الآن على مشارف بداية يوم الأجازة الأسبوعية السعيدة.
هذا اليوم له طقوس في المجتمع تدل على أهميته في النفوس، فالناس، بخاصة العاملين منهم، يعد يوم الجمعة بالنسبة لهم أمنية بعيدة، يتنفسون الصعداء حين يقترب، حتى يرتاحوا قليلًا من أعمالهم، ويهنئون برفقة أولادهم، ويستعيدون أنفسهم التي أرقتهم الأشغال الكثيرة، والأوقات التي تمتلئ بالأعمال التي لا تنتهي إلا بقليل من النوم في نهاية اليوم.
كل أسرة لها طقوسها في تقضية هذا اليوم الجميل، رغم أن اليوم يمر عليهم سريعًا، فإنهم يشعرون فيه بسعادة بالغة، لأنهم يفعلون شيئًا يحبونه في النهاية، ويدركون أنه هناك وقت لأنفسهم، يدخلون فيه السعادة قلوبهم، ويأنسون برفقة من يحبونهم.
منهم من يقضي اليوم بين عائلته، يقضي حوائجهم، ويحتويهم في أحضانه قليلًا، ومنهم من لديه هواية يمارسها بكل شغف في هذا اليوم، قد يخرج للعب الكرة، أو يقضي اليوم في القراءة، أو أي شكل من أشكال الهوايات، ومنهم من يصطحب عائلته في نزهة من بداية النهار إلى أواخر الليل. المهم أن اليوم لا يمر دون أن يكون الإنسان قد فعل شيئًا جديدًا بعيدًا عن الأعمال التي تُفرض عليه بشكل يومي، وبروتين ممل قاسي.
وذلك كله أحاول أن أبدي فيه مدى أهمية يوم الجمعة في نفس الإنسان اجتماعيًا، وما يبعثه في النفس من السرور والغبطة، وفي المصطلح الشعبي، يطلقون على يوم الجمعة (يوم عيد)؛ فهو عيد بالنسبة إليهم، لأنهم يرتدون ملابسهم التي يحبونها ويرتاحون فيها بعيدًا عن الملابس التي تكبلهم معظم الأسبوع من أجل أعمالهم، ويفعلون فيها أمورًا جديدة تدخل البهجة في نفوسهم، غير أنه من أول الأسبوع يخوض الإنسان رحلة وهو يأمل أن ينتهي بهذا اليوم الجميل، لذلك يعده الناس عيد أيامهم.
وإلى جانب ذلك، إن يوم الجمعة نعده عيدًا لما فيه من الخير والبركة التي وهبها الله إياه، فيوم الجمعة له فضل عظيم عند الله، يجب أن يستثمره الإنسان المسلم، ولا يمر دون أن يقوم بكل ما هو محبب في هذا اليوم، حتى يستعيد روحه التي أفسدتها الأيام، ويقترب من الله اقترابًا جديدًا، يمحي به الابتعاد الذي ولده انشغالاته الكثيرة؛ فيوم الجمعة يوم يستعيد فيه الإنسان نفسه روحانيًا إلى الجانب الاجتماعي، فيجدد روحه، ويرقق قلبه، ويستغفر بكل الطرق المحببة إلى الله لكي تعود صفحته، التي لوثتها الأيام، بيضاء ناصعة.
سُمّي يوم الجمعة بهذا الاسم، لأن العباد يجتمعون في هذا اليوم في المساجد لأداء العبادات، وقيل أن السبب الأصح في تسمية يوم الجمعة بهذا الاسم، لأنه اليوم الذي خُلق فيه آدم وجُمع.
ما رأيك بالاطلاع على المزيد
- هل ثبت فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
- هل يجوز صيام يوم الجمعة .. تعرّف على الإجابة
- لماذا سمي يوم الجمعة بهذا الاسم .. التفاصيل
وفي المعنى الذي يقول أن يوم الجمعة سمي بهذا الاسم لأن المسلمين يجتمعون لأداء العبادات أرى فيه صحة كبيرة وبلاغة دالة على ما فيه، فيوم الجمعة، كما قلت آنفًا، يوم يحتشد فيه الناس في المساجد، ليؤدون صلاة الجمعة، بأعداد كبيرة لا نعهدها في الأيام الأُخر، إذ إن المساجد في الأيام الأخرى قد لا تقتصر سوى على القليل من المسلمين، أما في يوم الجمعة يجتمع الناس في المساجد ليؤدون العبادة بأعداد كبيرة قد لا يسع المسجد أعدادهم فيصلون خارج المسجد.
وصلاة الجمعة فرض على كل مسلم بالغ عاقل، ولا يجوز تركها، فالله “سبحانه وتعالى” قد خصها بالذكر في القرآن الكريم، وذلك لما في صلاة الجمعة من الفضل والخير الكثير، قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). والله لا يأمر بشيء إلا وفيه حكمة كبيرة وفضل عظيم يعود على المؤمن.
فضائل يوم الجمعة
وبذكر فضائل يوم الجمعة، فإني أوجزها في الأسطر المعدودة الآتية، ويجب على المؤمن أن يتدبر مثل تلك الأفضال العظيمة، ويعمل بكل جهده لأجلها، ومن هذه الفضائل:
- قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” في فضل يوم الجمعة، ومكانته الكبيرة: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ).
- يوم الجمعة فيه ساعة تفتح فيها أبواب السماء، يسمع الله دعاء الداعي ويستجيب إليه، ويقبل ما يلح عليه من حاجاته، وتلك فضيلة كبيرة لا يجب أن يغفل عنها المسلم، بل يتحرى تلك الساعة حتى يدعو الله بكل ما يعتمل في قلبه، ولا أظن أن الإنسان قد خلا من الأمنيات التي يرجوها دائمًا من الله.
- يوم الجمعة يكفر السيئات التي أوقع فيها المسلم نفسه في الأيام الأخرى، فقد قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ).
إن يوم الجمعة إذا استثمرناه كله أو جزء منه في التقرب من الله، ودعوته لمغفرة الذنوب التي غشيت قلوبنا، ارتفعت درجاتنا عند الله وزادت منزلة العبد عند ربه، وبذلك ترتفع درجاته في الجنة “إن شاء الله”، فعلى المسلم أن يشتغل في يوم الجمعة باكتناز الحسنات، بفعل الأمور المحببة في يوم الجمعة عند الله، والحسنة بعشر أمثالها، فيخرج من هذا اليوم بثروة طائلة من الحسنات، ترفع درجاته، وتمحي الذنوب عن صفحته.
سنن يوم الجمعة
وبذكر الأمور المحبب فعلها في يوم الجمعة، أوجز القليل من السنن التي سنها الرسول “صلى الله عليه وسلم” يوم الجمعة، ولها أجرها “إن شاء الله”، من هذه السنن:
- الاغتسال من الجنابة، والحرص على نظافة البدن والملبس، والحرص على وضع الروائح الطيبة العطرة، والتبكير إلى صلاة الجمعة، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).
- ومن آداب صلاة الجمعة صلاة ركعتين بعد دخول المسجد، والإنصات إلى الخطبة، فلا ينشغل المسلم عن الخطبة، لما فيها من العظة الشديدة التي يجب أن ينتبه إليها المسلم، وهو بذلك يقبل على معرفة دينه ومعرفة الله أكثر.
- ومن آداب صلاة الجمعة عدم اللغو وكثرة الكلام فيما لا يفيد، فإن الإنسان يجب أن يحترم الوقت الذي يكون فيه ساعيًا إلى رضا الله، ولا ينشغل عنه بكثرة الكلام واللغو في المسجد.
- ويجب أن يكثر المسلم في صلاة الجمعة من الذكر والدعاء، فإنه ينال جزاء ذلك، فالحسنة بعشر أمثالها، ويستحب أن يكون الفترة التي يذهب فيها مبكرًا إلى المسجد إلى الأذان أن يقضيها في الذكر وقراءة القرآن والدعاء.
- وأيضًا من سنن يوم الجمعة التي يجب أن يلتزم بها المسلم، قراءة سورة الكهف، والإكثار من الصلاة على النبي “صلى الله عليه وسلم”